بقلم رضوان البريكي
قمت باكرا هذا اليوم و كان لي موعد مع نسمات الصباح الأولى أرتشفها قبل أن أرتشف قهوتي “السريعة الطويلة”.جلست في المقهى و كنت وحيدا إلا من مشهد شجرة رؤوم امتزجت خضرة أوراقها ببعض اصفرار فزادها ذلك الامتزاج وقارا. اصطحبت معي مذكرات “شاتو بريان” تشحذ جملها الرقيقة الأنيقة ذاكرتي فأستحضر كل ما هو جميل… و ما إن هممت بالإبحار في ملكوت الفكر و الخيال حتى لاطفتني يد أجّلت إبحاري الى حين…
يد صديق صافحني ببسمة حزينة و كان متبرما ساخطا متأففا متحسّرا على الشيئين الذين حيّرا الشاعر”الصدق في القول و الاخلاص في العمل “. هذان الشيئان انقرضا انقراض الغول و العنقاء . حاولت أن أواسيه و أهدّئ من روعه فقلت :
-دع عنك لومك و اخلع عنك يأسك ” فيكفي التجهّم في السماء”. و أردت أن أزيل عنه بعضا من همّه بسؤال:
-هلاّ اتاك حديث العرجاء و النطيحة و ما أكل السبع ؟
-نعم،
و ما خلّف الحقد
-هل من رابع؟
-نعم الرّابع هو الحبر الأعظم الّذي جفّ حبره فأضحى خفاش ليل لا ينقر لوحته إلا في ظلام دامس , هو الّذي علّمهم السحر فقادهم الى سوق النخاسة و الخساسة فانقادوا اليه طائعين.
كالعيس في البيداء…؟
-يوارون أكياسا من الدّرن و قد حملت أجسادهم العليلة نفوسهم الخبيثة فبدت وجوههم ممتقعة و جحظت أعينهم من هول فاجعة ألمّت بهم. فلا عزاء لهم و بئس المصير… فالماء يضيرهم و هم في الوحل يعمهون.
لا تستهويهم إلا المياه الرّاكدة الآسنة مثلهم كمثل جعل لا ينتعش إلا في الفضلات.
-و مريديه ؟
-.حمقى “يتهكمون على النبيذ معتّقا وهم على سطح النّبيذ ذباب”.
– يبدو أنّك مغتاظ صديقي.
– كلاّ صديقي فهذا تمرين لغوّي من تمارين كثيرة احوّل فيها القبيح جميلا و القميء ظريفا
– كيف تقضّي يومك اذن؟
– بعد الظهر لي موعد مع “فالبري” ، في المساء أصطحب “بودلار”، و في نزهتي اليوميّة يرافقني “روسو” “ديدرو” و “فولتار” ،أمّا “رامبو” فمن الغسق الى الغسق… و الكلّ تحت رقابة الكبير في كبريائه المتعالي بشعره كنخلة باسقة “فيكتور هوغو”.
عندها استرجع صديقي بسمته و قال:
– طوبى…فمازال في الحياة مايستحق العيش .
مضى صديقي لا يلوي على شيء و قد عاوده بعض أمل أنساه ما ألمّ به من ألم.
أمّا أنا فواصلت طريقي و قبلتي واحدة لا تلين و شرعتي لا يعرف الكلل لها سبيلا.
« Je chante pour chanter, je chante pour aimer. » Le reste, vanité… !