حدّث “جاد” قال:
“قرأتُ هذا ٱلصباح كلاما لجدّي بدر ٱلدين عن ٱلمستنقعات، فهاتفته سائلًا عمّا أو عمّن يقصد بتلك ٱلعبارة وهى تتكرّر مرارًا في نصِّه فكان جوابه سريعًا حيث راسلني على ٱلميسانجر قائلاً :
عزيزي جاد..ليتك لم تقرأ ما كتبتُ عن ٱلمستنقعات وكم أتمنّى أن تحفظك ٱلأيّام من شَرِّها ومن بئس أولائك ٱلذين يتسببون فيها وفي تكاثرها..في ٱلواقع٬ حفيدي ٱلغالي، لا أتمنّى لِأيِّ تونسيٍّ في سِنِّك أن ينشأ ويكبر وسط ٱلمستنقعات..فتونس بلدٌ جميل وفتّان لو لم تشوِّه ٱلمستنقعات أجزاء عديدة منه..قد تفزع لهذا ٱلحديث، يا بُنَيّ، لكن جَدّك لا يرضى إخفاء ٱلحقائق عنك، وفي ٱلوقت ذاته لا يقبل أن يتواصل تناسل ٱلمستنقعات في هذا ٱلوطن ٱلذي تسكنه وٱلذي سيسكنه غدًا أبناؤك وأحفادك..
ٱلمسنقعات٬ عزيزي جاد، تُشكِّلُها مجموعات من ٱلأفراد لا أحدافيها يُحِبُّ ٱلخيرَ لهذا ٱلوطن٬ وهم يتقاضون مُسَبَّقًا أجرَ ما يقترفون من أذى في حقِّ وطنك..هذه ٱلأشكال متواجدة في كل ٱلميادين وٱلقطاعات بدن ٱستثناء..تنشط حتى داخل ٱلعائلات، وبين ٱلأحبّة وٱلأصدقاء.. و في كثير من ٱلحالات بين ٱلرّبِّ وعِباده..
إن ٱلمستنقعات تفوح بنتانتها حتّى في ٱلقهوة ٱلتي أحتسيها صباحاً وفي شاي ٱلمساء وفي حديثي مع ٱلزملاء ومع جميع معارفي على ٱختلاف مشاربهم كبارًا كانوا أم صغارا، ذكورًا أم إناثا، أثرياء أم محتاجين..نعم، حبيبي جاد، حتى ٱلفقر وٱلتسوّل فيهما مستنقعات، بل تكاد تغزوها ٱلمستنقعات ٱلبشريّة، وٱلمزابل ٱلبشريّة، وٱلقاذورات ٱلبشريّة..
لقد تحوّلت ٱلثنايا أمامي إلى مستنقعات ومزابل ولم أعُدْ أجدُ سبيلا لتحاشيها..أصبحت أمشي وكُلِّي حذرٌ حتى لا أسقط في إحداها..وكُلِّي أملٌ أن أصِلَ إليك دون قاذورات معدية..أخاف عليك وعلى كلِّ من في سِنِّك من عدوى ٱلقاذورات..أخشى عليك من وسخ ٱلمستنقعات ٱلبشريّة..ليتني قادرًا على دحضها كلها..إني مجتهدٌ في ذلك، عزيزي، وشرفي أنّي لا أتوقَّفُ عن ٱلمحاولة..فجَدُّك لا يرضخ لقانون المستنقعات ولا يؤمن إلّا بِقدَرٍ وحيدٍ وبحتميّة وحيدة : مكافحة ٱلمستنقعات وقبحها وعدواها ٱلفتّاكة..
لِأنِّي أحِبُّك..ولأنه من واجبي ٱلمقدّسِ أن أُحِبّك وأن أُحِبَّ كل من في عمرك..فتونس دائمًا في عمرك وفي نضارتك وفي جمالك مهما شاخت ومهما تعددت ٱلمحاولات لتشويهها..
أوصيك بك وبها خيرًا..لأنك بٱلتأكيد لا تقبل مثلي أن تكتب ٱلمستنقعات قدَرَك وتحدّد ٱلقاذورات مصيرَك.”