في زلة لسان غاب حرف الواو ليترك لنا حمارا وطنيا نتندَّر به بدل الحوار رغم نجاحه آنذاك في التأسيس لمرحلة جديدة من تاريخ تونس قد نختلف في تقييمها. اليوم وبعد قرابة العشرة أعوام من تغيير النظام في تونس، يطالعنا بعض الساسة، إن صحت التسمية، باقتراح يتمثل في حوار وطني بين كل الأطراف السياسية الممثلة في البرلمان وربما كبرى المنظمات الوطنية في استنساخ للتجربة السابقة. ولسائل ان يسأل عن جدوى هذا الحوار وموضوعه وأهدافه خصوصا وأن انتخابات رئاسية وتشريعية قد تمت منذ أمد قريب، ويمكن الجزم بأن لدينا مؤسسات منتخبة وحظيت بالشرعية حبا أو كرها، وهي تمارس عملها في إطار الدستور. هذا إذا قبلنا بشهادة الهيئة المستقلة للإنتخابات في ما يتعلق بنزاهة العملية الإنتخابية، وإذا تجاهلنا تقرير محكمة المحاسبات وتبعاته القانونية. وتبعا لذلك ، كل ما على السلطة الحالية بجميع مكوناتها إما تحمل مسؤولياتها كاملة أو الإنسحاب والإعتذار للشعب.
باسم المواطنة المسؤولة، تحملنا بصبر وحزن ما آلت إليه البلاد من تردي للأوضاع في جميع الميادين. عشرة سنين عجاف وأنا وكثيرا من التونسيين الذين يمثلون الأغلبية الصامته نمني النفس بمستقبل أفضل، ونتحمل الخيبات الواحدة تلو الاخرى، ونتابع أسوء الاخبار في تاريخ البلاد المعاصر. وصلنا إلى المرحلة الموصوفة بالمثل الشعبي التونسي ” وخر، وخر … ظهر البهيم وفى ” . اما آن الأوان للمحاسبة؟ كيف استلمتم البلاد وكيف هي الان على جميع المستويات؟ كيف وفي ماذا صرفتم العائدات المالية للدولة والقروض والهبات؟
وباختصار، تعبنا من الحوارات العقيمة والتعنت المقيت والخطابات الشعبوية والوعود الزائفة.
دعونا للحوار عندما كان ذلك ضروريا، وصفقنا لكل من كان له دور إيجابي في إنجاحه، وساندنا التوافق من أجل تونس، ومن أجل إعطاء الفرصة لكل السياسيين من غير إقصاء لأحد، وخلق مناخ من المنافسة السياسية يكون مبنيا على اختلاف المشاريع على أن تكون كلها في خدمة الوطن. وكانت مدة العشرة أعوام أكثر من كافية للتأكد من العاهات المتنوعة التي فتكت بأغلب السياسيين وخصوصا الأحزاب التي لها أغلبية تمثيلية في البرلمان وتصدرت المشهد السياسي منذ 2011 ، ومن أهمها غياب الوطنية، وتقديم المصالح الخارجية المشبوهة أو الحزبية الضيقة على حساب مصلحة الوطن، وعدم النجاح في استكمال البناء اليمقراطي ومؤسساته، وتدمير شامل لكل مرافق الدولة الحيوية أخص بالذكر منها القضاء، وتبني أجندات خفية، وخطابات المراوغة والتضليل للشعب، يضاف إلى ذلك الفساد المالي في أخطر وأبشع مظاهره.
منذ العام 2011 نفس الاحزاب في السلطة ولو انشطرت أو غيرت أسمائها، بل حتى الوجوه هي نفسها مع تعمد بعض الأحزاب تغييرات تكتيكية في إطار الترضيات أو تبادل للأدوار بين الصف الأمامي والخلفي حسب طبيعة المرحلة. تقاسمتم السلطة مع أصهاركم وأقاربكم وأصدقائكم وبني جيرانكم. نصبتم في كبرى الوزارات من ليس مؤهلا لأبسط مهمة اشرافية في مؤسسة عمومية. وزعتم الغنائم والهبات والصفقات والتراخيص التجارية المربحة وكل الامتيازات على من ناصركم ووالاكم أو تملق اليكم. قمتم بالتفويت في الشركات المصادرة وأملاك الدولة او عبثتم بها، … وما خفي أعظم!
أرى بأن الهدنة قد انتهت، وصبر الشعب قد نفذ، وحان وقت المحاسبة بدل الحوار. المحاسبة ليست ظلما أو تشفيا أو محاولة للإقصاء، ولا لوم أو عتاب على ما هو اكثر من طاقتكم. بل سيكون الهدف الأساسي إيقاف العبث بالبلاد ومقدراتها ووضعها تحت تصرف أفضل الكفاءات الوطنية بعيدا عن الصراعات السياسية الضيقة، والأجندات الخارجية من أجل وضع البلاد على السكة السوية، ومن أجل عودة آلة الإنتاج لوضعها الطبيعي، وإرساء السلم الاجتماعي والوؤام بين أفراد الشعب التونسي.
تجاوزنا مرحلة الحوار، وحان وقت المحاسبة لإيقاف النزيف وعودة الدولة الغائبة!