من يحصل على جائزةٍ ما ، ينتقل من درجةٍ مُهمَلة أو منسية إلى درجةٍ أخرى أعلى وأكثر سطوعًا ، سواء على مستوى الكتابة ” ماذا سأكتب بعد فوزي بالجائزة ؟ ” ، ” وهل يمكن لي أن أتجاوز العمل الفائز بعملٍ ثانٍ يضيف ويؤسِّس لشعريةٍ أو سرديةٍ جديدة مثلا ؟ ” ، أو الشهرة التي تصاحب الفوز وما بعده ، أو الوضع المعيشي بعد نيل المكافأة المالية ، خُصوصًا إذا كانت كبيرةً ، وليست جائزةً مالية رمزية ، وهناك من يُصاب بالجنون والعته والغرُور والاختيال والزهو والشرَه المادي والإعلامي ، أو يتوقف عن القراءة ، مكتفيًا بنفسه وقراءة ما يَكتب فقط أو ما يُكتب عنه ، أو يتعالى على الناس خصوصًا أقرانه ومُجايليه ، وهناك من يعمِّق تجربته ، رائيًا أن الجائزة مسؤولية ، وتحدٍّ ينبغي مواجهته بصرامةٍ وجديةٍ وخوف على الآتي من الأيام ، وينبغي عليه – أيضًا – أن يكون على قدرها ، وعند حُسن ظن قرَّائه ونقَّاده وأعضاء اللجنة التي اختارته لنيل الجائزة .
والجائزة عمومًا تُحْدِث تغييرًا في نفس الفائز بها ، سواء أكان سلبًا أم إيجابًا . تُخْرِجه من عزلته ، وتمنحه فرصةً أن يكون موجودًا بفكره مع عمله أو منجزه الذي فاز ، حيث يرى ذاته أكثر ، ويعيد النظر في جغرافيته ، وربما يعيد رسمها وصياغتها ، وتوضيح حدودها الساحلية والبرية . حيث تزداد مساحة التلقي ، ويتم الكشف عمَّا كان مخبوءًا ومعتمًا ، وتظهر شمسٌ جديدة ، تزيح ما أثقلته سنون التغافل والتجاوز .
وقد اتفقت مع صديقي الأكاديمي الأستاذ الدكتور عبد العزيز السبيل أمين عام جائزة الملك فيصل ، والذي دعاني للمشاركة في منتدى الجوائز العربية في دورته الأولى التي انعقدت في أكتوبر 2018 ميلادية خلال مناقشاتنا الرسمية وغير الرسمية في مدينة الرياض أن الجائزة حاجةٌ ضروريةٌ لابد من وجودها في الحياة الثقافية والأدبية والعلمية ، لتعميق البحث ، والكشف عن منجزٍ جديد ، وأسماء طليعية وطالعة في مختلف حقول المعرفة ، ولفت الانتباه إلى كتبٍ وظواهر ، وإسهاماتٍ منسية ، أو مسكوت عنها أو مُعَتَّم عليها ، أو مظلوم أصحابها ، أو قد أصابهم الغبن بقصدٍ أو بدون قصد .
لأن الجائزة تصل الأجيال بعضها ببعض ، وتحدث تنافسًا بين تياراتٍ ومدارس شتى ، وتُعلِي من شأن الفرادة والاختلاف ، وترعى تقاليد الاحتفاء والاحتفال بالمنجز الذي يقدمه صاحبه ، ويسهم به في تطوير وحرث الحقل الذي يشتغل فيه ، حيث إن الجائزة حلم يُسْعى إليه ، ويُنتظر بشغفٍ وتنافسٍ ، شرط البُعد عن المجاملة والتحزُّب والإقليمية الضيقة ، التي تنتصر للقبيلة على حساب القيمة ، والنوع ، إذ يتم تغليب الهوى ، والعلاقة الشخصية ، لأن من يفوز تحت مظلة الشك والالتباس ، سيكون مصيره النسيان ، وكم من أسماء فازت بجائزة نوبل من المستحيل أن يتذكَّرها أو يذكرها أهل الكتابة مثل الشاعر الروسي إيفان بونين ( وهناك مصادر تقول إنه كان عديم الجنسية أو بدون جنسية ) ، والفيلسوف الألماني رودلف أوكن ، والشاعر الإيطالي جوزيه أليساندرو جوسيبي كاردوتشي وسواهم الكثير ، حتى صارت أعلى جائزة في العالم تحاصرها الشكوك ، ألم تحجب مؤسسة نوبل في أكتوبر 2018 ميلادية جائزتها في فرع الآداب ” بعد فضيحة مزاعم سوء سلوك جنسي أدت إلى استقالة عدد من أعضاء مجلس الأكاديمية السويدية التي تمنح الجائزة. حتى أن الأكاديمية أصدرت بيانًا تشير فيه إلى أن ” القرار صدر نظرًا لتضاؤل عدد أعضاء الأكاديمية ، وتراجع ثقة الناس فيها “.
أقول لا طعم لجائزةٍ غير مستحقة ،
وأقول أيضًا إن الجائزة – أية جائزة – لا تصنع شاعرًا أو كاتبًا ، وكم من كبار قوم الأدب لم ينالوا جوائز كبرى ، وفي مقدمتها جائزة نوبل .
وللحديث صلة .