الكتاب في منزلة بين منزلتين
منصور مهني
(أستاذ متميز بجامعة تونس المنار، كاتب ومفكر، مترجم، إعلامي)
مقدمة
يعنيني في هذا اليوم الذي يحتفى فيه بالكتاب عالميا أن أقدم طرحا مفتوحا يوسّع حلقة النقاش وينوّع مجال التساؤل. فأجدني حائرا أمام مسؤولية التوفق إلى موضوع يكون مطابقا لشرط “اللاشرط” ومقيّدا للحرية الممنوحة، حتى يتسنى للنص أن يمتلك وحدته البنيوية وتناغمه التحليلي وينال التقبل المؤمل له.
لست على يقين من توفقي في هذه المهمة وأعول على حلم القارئ وتفهمه، لكنني بادرت أولا باختيار عنوان لهذا النص فتعددت أمامي المقترحات وانتهيت إلى هذا العنوان: “الكتاب في منزلة بين منزلتين” وهو عنوان، وإن بدا في إشارة مباشرة لتسمية المعتزلة، فقد استلهمته من العبارة التي عرف بها الأستاذ توفيق بكار كاتبنا الكبير محمود المسعدي حيث قال إنه “يتبوّأ منزلة بين المنزلتين” وأظنه ضمنيا في صلة بالمقولة الشهيرة لهذا الأخير الذي عرف بها الأدب وهي: ” الأدب مأساة أو لا يكون… مأساة الإنسان يتردّد بين الألوهية والحيوانية[i]“. وبما أن مقولة المسعدي استقرت أخيرا في كتابه “تأصيل لكيان” أود أن أشير إلى أني اقترحت سابقا، لما نالني شرف إدارة الدورة التأسيسية للمعرض الوطني للكتاب التونسي سنة 2018، أن يكون شعار الدورة: “كتابنا تأصيل لكياننا”. إلا أن الديمقراطية داخل فريقنا حكمت لصالح الشعار الذي اعتمد، والمتميز أيضا في رأيي المتواضع، وهو: “الكتاب التونسي يجمعنا”، وليته جمعنا. لكن الأمل في ذلك باق لا محالة.
أقول هذا لأني أعتقد أن الكتاب عامة، والكتاب في تونس خاصة ولا الكتاب التونسي فحسب، صار في منزلة بين منزلتين من الاحتفاظ بقيمة ضمنية لا تزول عنه ومن استفحال بعض الظواهر التي تهدد بفقدان الكتاب كقيمة اجتماعية لصالح تعبيرات أخرى متعددة لعلها لا تفي بما يوفره الكتاب. وهذا موضوع يستدعي مجالا شاسعا من التفكير أو على الأقل ندوة خاصة به. إلا أن المهم عندي، في سياقنا هذا، هو أن مصير الكتاب لا يختلف عن مصير الإنسان في تردده بين المثالية والواقع المر، وهو معلق أزليا بين الأرض والسماء لا يستقر كيانه في إحدى المحطتين.
لكن كيف ينسحب هذا العنوان على مصير الكتاب في واقعنا المعيش، وفي المحادثة التي ننظمها عن بعد، بمناسبة اليوم العالمي للكتاب، ضمن نشاط “المجمع المدني للثقافة والعلوم”، وهو اجتماع جمعياتي حول الربط بين العلم والفكر والثقافة والمواطنة. هدفنا الأول في هذا اللقاء هو التشديد على قيمة والدعوة إلى التفكير فيه، منتظرين إقبالا يمتزج فيه القطاع الثقافي بالقطاع الاقتصادي، ومن ورائهما قطاعان آخران على الأقل هما السياسي والاجتماعي؟ هي جملة من الخواطر إذن أطرحها كفواتح للنقاش والتحادث والتدارس وتعميق التحليل، وأسوقها في بابين اثنين يبقى السؤال معلقا بينهما، باب أول يمكن أن نسميه صنع الكتاب، تأليفا ونشرا، وباب آخر أخصصه للقراءة وهي علامة تلقي الكتاب كمنتوج ثقافي واقتصادي.
¤¤¤¤¤¤¤
1 – في صنع الكتاب
أظننا نتفق على أن الرهان الأول للكتاب هو جودة محتواه وإن كانت كلمة جودة تحيلنا على مفاهيم جدلية وعلى مسائل معقدة. إذ يمكن لسائل أن يسأل: كيف نحدد الجودة ومن يحددها؟ وإن كان الجواب هنا في علاقة بالقراءة فلا يمكن للجودة أن تثبت، إن وجدت، إلا بعد استهلاك الكتاب؛ لذلك تحدثنا عن رهان الجودة. والمراهن عليها هو الكاتب قبل كل شيء ثم الناشر أو بالأحرى منظومة النشر كاملة بما فيها الإخراج والصنع والترويج والإعلام والتحسيس وما إلى ذالك.
وفي كلتا الحالتين، أي عند الكتابة أو عند النشر، يكون صاحب الفعل حرا بخوض المغامرة وما أن يدخلها حتى يصبح في مهب الرياح المختلفة والمتناقضة أحيانا تتجاذبه وترميه وهي حالة يتألم منها الكتاب أكثر من كل أحد لأن الكاتب يمكن أن يغض عنه النظر ويتنكر له وينساه والناشر يمكن أن يتخلص منه بأقل الخسائر إن ثبتت الخسارة حقا، والكتاب يبقى المعذب في الأرض ينتظر رحمة التاريخ لعله ينصفه بعد موته.
وما نراه الآن، في زمن الكورونا، هو أن الكتاب مريض آخر طاله الداء الجائح وأرغمه على الحجر، لذلك قلنا أنه كالبشر يتأثر بكل ظرف ويتألم من كل وجع إلا أن تأثره هذا يتشكل في محتوايات متنوعة، موزعة على مختلف الأجناس الأدبية ومختلف الأشكال التعبيرية. فقد رأينا مع جائحة الكورونا كتبا جديدة تصف علاقة الإنسان بالوباء وتحكي ردهاته وتحلل أبعاده. وهو أمر معهود منذ القدم إذ كلما حلت مصيبة وجدت من يتجنّد لكتابتها. لكن الداء ذاته أصبح عائقا أمام الكتاب الذي توفرت له مضامين جديدة وتعطلت آلة ترويجه وتنقله ودخوله فضاءات القراءة. أما عن ترويجه الرقمي، فسنأتيه لاحقا.
الثابت إذن هو أن الإبداع اليوم معطل نسبيا لأنه غير قادر على إبراز قيمته الحقيقية، ربما لأنه قد لا يجد السبيل إلى النشر، لأن النشر مغامرة في غياب التعامل التجاري، وإن نشر فإنه لا يمكنه ترويج إبداعه بسهولة، رغم ما نعلم من نجاعة الوسائل الرقمية للإعلام به وللإخبار ببعض محتواه. وتجدر الإشارة في هذا الباب، باب المحتوى والحاجة إلى الكتابة، أن زمننا غني بالمناسبات والدوافع التي يمكن أن تنتج كتابة أو تعبيرا، بصفة عامة، وأن ذلك في صلة وثيقة باتساع رقعة المتعلمين الذين امتلكوا القدرة على الكتابة، بغض النظر على نسبة الإبداع فيها، حيث أن الكتاب ليس إبداعا فحسب بل هو في أشكال تعبيرية متنوعة ومتعددة.
وفي خضم هذه الطفرة الكتابية إذن، يبقى الكتاب يتردد بين الطموح إلى الجودة والتماهي مع الكثرة. ولعل الرأي الأصح يكون في فسح المجال للكثرة حتى تفرض الجودة نفسها بالمقارنة، إذ كلما كثر الكتّاب أصبحت المقارنات أكثر وقعا ومكنت من التمييز بين الغث والسمين. لكن لأجل ذلك وجب تنشيط الحركية النقدية والإعلامية في اتجاه الكتاب والكتّاب لتنصهر هذه الحركية في الحياة العامة وتصبح مكونا أساسيا منها، كما يتعين دفع هذه الحركية نحو الامتياز والجدية والموضوعية بعيدا عن المجاملات والحسابات الضيّقة. والدور التحسيسي والتوعوي لصالح هذا التمشي يشترك فيه المدرسة والجامعة والفضاءات الثقافية العامة والخاصة ومكونات المجتمع المدني، كما سأحاول تبيينه في خاتمة هذه المداخلة.
لكن أين لنا أيضا من توفير سبل النشر لهذه الكثرة ولإبراز ما تحمل من قيمة والأمر دائما رهين حركة النشر وسلامة مؤسساته التي لا يمكن أن تفي بدورها من دون أن تتوفر لها أسباب الانتعاشة التجارية والمردود المالي، حيث أنها تجارة وفي كل تجارة يكون المال قوام الأعمال. وهنا نتبين موقع البين بين، بين منزلتين أخريين يتأرجح بينهما الكتاب الورقي هما دوره الفكري والعلمي والثقافي من جهة، ومردوده المالي من جهة أخرى.
معلوما أننا لا زلنا نتحدث هنا عن الكتاب الورقي وكلنا يعلم ما غنمه هذا الأخير من اكتشاف المطبعة ثم ما تلاها من تطور تقني وتكنولوجي في حقب الزمن الحديث المتتالية. ولنا، في هذا المجال، أن نسأل أنفسنا عن الفرق الكبير بين وضع الكتاب الورقي في بلادنا وحاله في البلدان المتقدمة.
وهذه مسألة أخرى معقدة لأنها ستسوقنا إلى جدل سياسي بين دور الدولة من جهة ودور المجتمع من جهة أخرى، خاصة في علاقة بدوره في دفع عجلة الاستثمار الخاص كرافد لمجهود الدولة في تنمية قطاع الثقافة عامة وقطاع الكتاب خاصة. وفي ذات السياق، يبدو لنا أن طرح القضية من حيث التناقض أو التضارب بين شأن الكتاب الورقي وتطور الكتاب الرقمي أمر مغلوط يبعدنا عن أصل الداء وعن لب الموضوع، إذ يمكن للكتابين أو للشكلين للكتاب التكامل والتفاعل لما فيه خير الكتاب كفاعل اجتماعي شامل وعام، وهو موضوع نتركه للنقاش إن طرح حتى نبقى في حدود الحيز الزمني المرسوم لهذه المداخلة. لكن الرأي عندي أن القدرة الغازية للكتاب الرقمي، إن ثبتت، فهي مكسب ثمين أيضا للكتاب الورقي بصفة أو بأخرى.
لكن علينا أن نتساءل كيف ترانا نخوض في هذا الموضوع والوضع العام على ما نرى من تسيب ومن ضبابية تجعلنا نبارك اجتهاد الناشرين ومواصلتهم الدفاع عن الكتاب من خلال الدفاع عن مهنتهم، والعكس يجوز أيضا، لكن مباركتنا لا توجد حلولا جذرية للقطاع ولا أرضية فكرية تقدم التصورات الكفيلة بإيجاد الحلول الناجعة. فبينما كل يغني على ليلاه، يبقى الكتاب مقطعا بين قوتين تتجاذبانه حتى التمزق واحدة إلى الإقرار بنهايته ليعم الظلام والضلال وثانية تدفعه للمقاومة لأن مصيره وسر وجوده يكمنان في فتح مسالك النور أمام البشر. ولتنتصر هذه القوة الثانية للكتاب ولحيويته، لا بد أن ينطلق الحل من القراءة قبل الخوض في مشاكل صنع الكتاب وغيرها من تفريعات القضية.
¤¤¤¤¤¤¤
2 – في مسألة القراءة
دعنا نتوقف في البداية عند بعض الأرقام والملاحظات:
معدلات القراءة في الوطن العربي تشير إلى تدهور واقعه الثقافي وإلى الهوة الثقافية الشاسعة بين العالم العربي والعالم الغربي مثلا. وقد تكون الأرقام أكثر خطورة إن نحن حذفنا منها ما يتعلق بقراءة القرآن الكريم واقتصرنا على قراءة الكتب الثقافية.
على سبيل المثال نذكر أن “معدل قراءة المواطن العربي سنويا ربع صفحة، في حين أن معدل قراءة الأمريكي 11 كتابا، والبريطاني 7 كتب في العام”.
ويشير تقرير التنمية الثقافية لعام 2011م الصادر عن مؤسسة الفكر العربي، أن الفرد العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنويا، بينما يقرأ الأوربي بمعدل 200 ساعة سنويا.
أما في خصوص إنتاج الكتب، تفيد أرقام “تقرير التنمية الثقافية” الذي تصدره منظمة اليونسكو بأن عدد كتب الثقافة العامة التي تنشر سنوياً في العالم العربي لا يتجاوز الـ5000 عنوان في حين أن أمريكا، على سبيل المثال، تصدر سنوياً نحو 300 ألف كتاب.
وإذا نظرنا إلى عدد النسخ المطبوعة من كل كتاب عربي نلاحظ أن الكتاب العربي لا يطبع منه إلا ألف أو ألفان نسخة، وفي أقصى الحالات يبلغ الرقم 5 آلاف، لكن النسخ المطبوعة لكل كتاب في الغرب تصل إلى 50 ألف نسخة، وأكثر.
وفي قطاع متصل، قطاع الترجمة، يكفي أن نشير إلى أن نسبة ترجمة الكتب في الوطن العربي هي بحجم 20% من الكتب التي يتم ترجمتها في اليونان مثلاً، حتى لا نذهب بعيدا مع صنف آخر من الدول.
الواضح إذن أن أزمة القراءة في الوطن العربي هي أزمة ثقافية عامة
وهي ليست وليدة سبب معين، ولكنها جزء من أزمة حضارية شاملة، لا بد لنا أن نتناول تحليلها بصفتها تلك لاستنباط الحلول الكفيلة بالخروج منها قبل فوات الأوان.
بقي أننا عندما نسلم بأن القراءة ظاهرة حضارية، وأنها الوسيلة الأولى لاكتساب المعرفة، لا بد لنا أن نعيد التفكير في مفهوم القراءة وفي تعريف الكتاب بالطرق التي تجعلنا أكثر مواكبة للعصر ولمتطلبات التقنيات الحديثة. ولا بد أيضا أن نتطرق لقضية الكتاب والقراءة في علاقة بالفعل الثقافي الشامل حتى لا نجعل عالمهما في فضاء ضيق معزول عن العالم.
وفي خضم الجدل القائم حول الأزمة الثقافية، صار البعض يتحدث عن “الأمية الثقافية” في العالم العربي، اعتبارا لانكماش الحركة الثقافية التي تمثل أزمة القراءة مظهرًا من مظاهرها المهمة والذي يشكل استرجاع سيادة الكتاب على سبل المعرفة الشرط الأساسي للخروج منها.
إن في هذا الرأي وجاهة ثابتة لكنه يبقى نسبيا أيضا لأن سبل المعرفة تعددت وتنوعت اليوم، وأصبح من الضروري أخذها جميعا بعين الاعتبار دون التشبث بالعلاقات التنافسية المفرطة أو حتى العدائية بينها. فالثقافة كل لا يتجزأ، خاصة في المجتمعات التي تطمح إلى الديمقراطية، ولا يمكن لقطاع أن يحتكر هذا الكل الثقافي لوحده أو أن يتسلط فيه على البقية.
من هنا يبدأ في رأينا دور الكتاب في النهوض الثقافي العربي في اقتناع بأن تقدمنا الحضاري مرتبط بتنشيط الحياة الفكرية وبالقيمة الفعلية التي نعطيها للقراءة والتعليم والتثقيف.
¤¤¤¤¤¤¤
الخاتمة : نحن والكتاب، المسألة الثقافية
من الصعب أن نختلف إذن حول قيمة الكتاب والقراءة ودورهما في النهوض بالمجتمعات وفي فتح السبل أمامها للتطور الحضاري والتقدم والنمو في مختلف مجالات الحياة. لذلك يبقى السؤال المركزي هو: “كيف لا نفقد تلك القيمة وكيف نوفّق في استنباط سياسات ثقافية ترفع من تلك القيمة وتكسب فعلها النجاعة المرجوة؟” ولنضع نصب أعيننا مقولة المفكر الجزائري مالك بن نبي : “الأمة التي لا تقرأ تموت قبل أوانها”. يمكن ذلك بتكامل أدوار عدة أطراف هي الآتية:
دور الدولة:
نوافق من يطالب الدول العربية ووزارات الثقافة والشباب والتعليم بوضع خطط واستراتيجيات يكون فيها للقراءة والكتاب موقعا مركزيا منذ نعومة الطفولة إلى عمامة الشيخوخة كي تصبح القراءة سلوكا يوميا في البيت والمدرسة والشارع ووسائل النقل والحدائق العمومية وقاعات الانتظار، كما نرى ذلك لدى الشعوب المتقدمة.
وفي صلب هذه الخطط، لا بد من إرساء التنشئة على القراءة بعيدا عن الدغمائية والاستغلال الأيديولوجي كي نجعل من القراءة مدرسة المواطنة الحرة والمسؤولة، التي تعتمد العقل والحكمة في التفاعل مع متطلبات الحياة بعيدا عن كل رضوخ أعمى لأحد، إن خوفا أو إعجابا أو تملقا. ولذلك منهجيات خاصة لا بد من وضعها حيز التطبيق بعيدا عن كل الحسابات الأخرى، خاصة السياسية منها والعقائدية أحيانا.
في هذا الصدد يمكن الربط بين الاهتمام بالقراءة وبين طبيعة النظام السياسي نفسه، إذ كلما توفرت ظروف الحرية والديمقراطية تناما وعي المواطن بفاعليته في المجتمع وبضرورة إثبات ذاته بين الكفاءات الفكرية المؤثرة في الحياة العامة، على مختلف الأصعدة، خاصة منها الثقافية والسياسية والمدنية.
هنا ينمو الوعي بأن القراءة هي ما يميز المثقف عن غيره من البشر وهي سبيل العقل لأهم مداخل الحياة وأبرز مخابر تجاربها.
وفي البدء تكون العائلة.
لا يكمن أن ننكر التفاوت بين العائلات في سلم المسؤولية الملقاة على عاتق الأسرة تجاه التنمية الثقافية عامة وتجاه الوعي بأهمية الكتاب والقراءة خاصة. لذلك وجب على الدولة وعلى المجتمع المدني مصاحبة العائلات في تنشئة أطفالها بما يؤهلهم للانخراط الفعلي في مسار التنمية الثقافية.
لكن العائلات الميسورة والمتعلمة لا يسمح لها بالتغاضي عن دورها في هذا المجال.
ثم تأتي المدرسة.
من مسؤوليتها إنجاح سياسة تربوية في تفاعل مستديم مع الحياة الثقافية، شريطة ضبط السياستين، التربوية والثقافية، في مناخ تحادثي تكون نتائجه أقرب للتوافق الأوسع على أسس السياسات وأهدافها ومناهج تطبيقها، مع تقويم مستمر يصاحب مساراتها.
وللإعلام دور هام.
اعتبارا لتأثيره في المواطن، خاصة في الشباب، يكون دور الإعلام في الخطورة بمكان وذلك بمعنيي الخطورة. لا بد إذن من تعديل حقيقي في المجال الإعلامي، يكون ديمقراطيا هو الآخر، لا يقتصر على أهل المهنة ولا يهمش دورهم.
ولا بد من تحقيق المعادلة الأفضل بين الضوابط الأخلاقية والمهنية من جهة وبين مستلزمات السوق الإعلامية، دون الإضرار بالحرية المكتسبة ودون التفريط في الشعور بالمسؤولية والانضباط لمتطلباتها.
جميل في الواقع أن تكون لنا وسائل للإعلام الثقافي، لكن أجمل أن تكون الثقافة وأن يكون الكتاب في مختلف وسائل الإعلام لأننا كثيرا ما نقول أن الكل سياسة وننسى أن الكل هو ثقافة قبل كل شيء.
ولا ننسى المجتمع المدني.
صار من الثابت أن المجتمع المدني عامة وخاصة النسيج الجمعياتي فاعل مركزي في أي عملية نهوض وتنمية. لكن للعمل الجمعياتي أخلاقيات وضوابط إن هو يحيد عنها يصبح المجتمع كله في خطر.
لا بد إذن من وقفة تأمل في السياسة الجمعياتية لتحميل المجتمع بأسره والدولة في المرتبة الأولى المسؤولية في إرساء عمل جمعياتي مدني ووطني وفاعل.
في قضية الحال، لا بد من تقويم عميق وهادف لجمعيات أحباء المكتبة والكتاب مثلا.
في الختام، دعني أسوق هذا الرأي في القراءة وهو ينطبق على الثقافة عامة: “إن الأمة التي تعرف أهمية القراءة، ستنال حظها من الرقي و السمو والتحضر وتزداد قوة وعمقاً، أما الأمة التي تعزف عنها وتستهتر بقيمتها سيكون مآلها الهلاك والتقهقر والتلاشي”؛ ولكي نبني مجتمعا قارئا ومثقفا وجب الانطلاق من الأساس، و لا يتم ذلك إلا بتضافر جميع الجهود من أسرة ومدرسة ومجتمع مدني وإعلام إلى أكبر إطار في الدولة.
ولنقل في النهاية ما قال الفيلسوف سُـقراط : “إذا أردتُ أن أحكُـم على إنسان، فإني أسأله كَـمْ كتاباً قرأت؟”.
¤¤¤¤¤¤¤
[i] انظر المسعدي، تأصيلا لكيان، ص 21، مأخوذة من مجلة المباحث، عدد 12، مارس 1945م.