“الندوة الدولية حول : “الفن، التربية والتعليم: العلاقات والاسهامات بجامعة وهران 2
=(بتنسيق تونسي /جزائري (د. هشام بندوخة ود. فوزية ضيف الله
يومي 18 و 19 ديسمبر 2024
وفاء لروح الأستاذ حميد حمادي
نعلن بصفتنا المنسقين العلمين، ضمن تعاون علمي بين تونس والجزائر، عن فعاليات الندوة العلمية الدولية “الفن والتعليم والتربية، العلاقات والاسهامات”، في صيغتها الهجينة الجامعة بين محاضرات حضورية وأخرى عن بعد، على امتداد يومين، 18 و 19 ديسمبر 2024. وقد ارتأينا أن يكون التاريخ انعقادها متزامنا مع الذكرى العاشرة لوفاة أستاذ الفن والجمال حمّادي رحيم، اعترافا منا بما قدّمه للأجيال وترسيخا لتقاليد جميلة في الجامعة، حتى نكون نبراسا لأبنائنا الطلبة، ونخلق إيتيقا تواصلية متينة بالجامعة.
الأستاذ حميد حمادي، رحمه الله (1965-2014)، وُلد بوهران، ودرّس فيها، وكان أستاذ الجماليات بقسم الفلسفة بجامعة وهران، وله الكثير من المقالات في ميدان الجماليات، وقد نشرت مؤخرا أطروحته في الدكتوراه حول التجربة الجمالية في الفكر الفلسفي لفريدريك نيتشه. كما أشرف على العديد من الأطروحات الجامعية.
هذه لمسة وفاء لروحه، اعترافا وتقديرا لجهوده، ومحبة لخصاله المعرفية والأخلاقية.
لا يخفى على أحد مدى ارتباط الفنون برقي وتحضُّر الشعوب وتقدّم الأوطان، فحيث لا يزال يُنظر إلى الفنون كشكل من أشكال الكماليات هناك تأخر حضاري، وحيث هي حاجة من أساسيات الحياة لا يُمكن العيش بدونها هناك تقدم وحضارة. من هذه المعادلة تكتسب الفنون مشروعيتها التربوية، فهي قبل كل شيء ممارسة حضارية، وهي وسيلة لتحقيق هدف تسعى إليه كلّ الشعوب، ألا وهو التقدم والارتقاء نحو الأفضل.
ولما كانت التربية كمؤسسة تعمل على تحقيق هذا التقدّم والارتقاء وتستخدم كل الوسائل والسبل التي تؤدي بها إلى غاياتها، لم يعد ممكناً إبقاء هذا العنصر التربوي المؤثر خارج دائرة الاهتمام. فالفنون في المؤسسات التربوية والتعليمية المتطورة لم تعد ترفاً أو عنصر ترفيه وتسلية أو مادّة لتعبئة ”ساعات الفراغ”، بل هي حاجة تربوية تعليمية ملحّة، كلما تأخرنا في الإعتراف بها وفي استخدامها فعلياً وبطرق منهجية مدروسة، تأخر بنا الزمن، وتخلفنا عن مواكبة العصر.
وردت شذرة مهمة للمفكر الألماني “فريديرك نيتشه”(F. Nietzsche)، حول دور الفنون في التربية والتعليم وتحديدا في محاضراته المبكرة بجامعة “بال” سنة 1972 والمنشورة بعد وفاته تحت عنوان : ” مستقبل مؤسساتنا التعليمية” (sur l’avenir de nos établissements d’enseignement)، حيث يقدم “نيتشه” خلاصة استعراضه للبرامج التربوية والتعليمية في ألمانيا وقته متحدثا :” إن الفن ضروري للتطور الشخصي والاجتماعي. في الواقع ، إن تعلم التقنيات والحركات والأعمال الفنية بالإضافة إلى ممارستها يجعل من الممكن تطوير الاستماع والتركيز بشكل كبير ولكن أيضًا مراعاة الآخرين. يمكن للفن أن يزعج ، ويصدم ، ويثير الاهتمام ويدهش ، وبالتالي يُثير فضول الجميع منذ سنّ مبكرة. لذلك، ينبغي للفن أن يكون مكملاً للبرامج المدرسية وأشكال التعلم التربوية ، كونه مصدرًا للمعرفة الجديدة ، النظرية والعملية على حد سواء ، وتدريب القدرات الفكرية المطلوبة في مجالات التعلّم والتربية”.
وفي مكان آخر، وفي زمن راهني أكثر قربا إلينا، وجدنا الفيلسوف الفرنسي الراهن ” لوك فيري (Luc Ferry)” يشير بعبارة صريحة في تصديره لكتابه “الإنسان الجمالي”(Homo Aestheticus) الصادر سنة 1990” إن تلميذنا في فرنسا يستقي من جهاز التلفزيون والكمبيوتر وغيرهما من وسائل الإعلام المختلفة معلومات تجعل ما يتعلمه من المناهج الدراسية يبدو وكأنه إلى حد كبير ينتمي إلى عالم الماضي السحيق”، “هذا هو الانطباع العام عن مناهجنا الحالية، علماً أننا إذا أمعنا النظر فيها برزت لنا بوضوح النقائص الآتية:”افتقار المناهج إلى الفنون الجميلة.”
فمجمل ما يمكن أن نستقرأه إذن من خلال الفقرتين السالفتين لكلّ من “نيتشه” و”لوك فيري” على التوالي، هو اعتراف رسمي بالدور التربوي للفنون وكذلك تأكيد على أهمية الفنون على الصعيد التعليمي والبرامج التطبيقية.
لقد أشارت معظم الفلسفات والأفكار والنظريات التربوية، في أكثر من مكان إلى أهمية اعتماد الفنون في العملية التربوية وفي مختلف المراحل التعليمية، فكيف يمكننا أن نتبين بالإجمال علاقة الفن بالتربية ودوره في تطويرها؟. وكيف يمكن أن يساهم الفن في إثراء البرامج التعليمية؟. وأكثر من ذلك يُمكننا أن نتساءل عن وضعية الفن ضمن منهاجنا التربوية الراهنة المعتمدة؟، ذلك أن من يستعرض منهاجنا الحالية قد يصاب بشيء من االذهول بسبب إغفال مواد الفنون الجميلة إغفالا شبه كلي وكأن تلك المناهج تعتبر الفنون ترفا ثقافيا، وعليه فإن الهدف الأساسي الذي تصبو إلى تحقيقه هذه الندوة الموسومة: بالفن والتربية والتعليم- العلاقات والإسهامات، هو محاولة سد هذه الثغرة وذلك بما أفردته من مداخلات مختلفة تلتقي في مجملها لتنوه بالأبعاد التربوية والتعليمية للفنون الجميلة من موسيقى وتشكيل ومسرح، لعلّ ذلك يغير جذريا في طريقة التعاطي مع الفنون ضمن العملية التربوية والتعليمية.
وتحت عنوان “الفن والتربية والتعليم”- العلاقات والإسهامات -، نطمح أساسا لتحقيق محاولة رائدة وطليعية في فكرنا التربوي والتعليمي الراهن، تمكن من تغييرات جذرية في طريقة التعاطي مع الفنون ضمن العملية التربوية والتعليمية، بحيث تعمل على الأقل على تعزيز الحس الجمالي وتنمية الذوق الفني وذلك من مرحلة الروضة لغاية الطور الثانوي الذي يشكل خاتمة التعليم العام ما قبل الجامعي.
هشام بن دوخة (الجزائر)
فوزية ضيف الله (تونس)
البرنامج: