من طرائف الاستشارات ما يتعلق بدراسة هدفها تحسين ظروف الحج وأفضل الطرق لمعالجة موضوع الازدحام خلال تلك الأيام المعدودات التي يلتقي فيها ملايين المسلمين لأداء فريضة الحج. وأغلب الظن أن لا علاقة لهاته الدراسة بالجد بل هي من باب الهزل والتسلية فقط.
عموما، قيل بأن شركة استشارية قامت بدراسة دقيقة لكل تفاصيل الحج، وإحصاء لضيوف الرحمن ومناسك الحج ومتابعة عن قرب لتنقلات الحجيج بين المشاعر، ومن ثم استنتجت بأن أفضل حل لمشكل الازدحام خلال موسم الحج يتمثل في تنظيم الحج مرتين كل عام. طبعا لا علاقة لهذا المقترح بالحج لبيت الله الحرام المحدد بمواقيت غير قابلة للتعديل. وبكل وضوح، تكمن العلة هنا في حسن اختيار من نستشير حتى لا تكون التوصية في قطيعة مع الواقع والخيبة هي المحصلة. ولا أستبعد أن يكون مصدر المشكلة وسببها صاحب الاستشارة نفسه.
أذكر قصة تروي كيف دخل أحد الضيوف على شيخ في المسجد، وما أن أدرك الشيخ الضيف استوى في جلسته وضم رجله بعد ان كانت ممدودة احتراما للضيف ودعاه للجلوس وسأله عن حاجته. سأل الضيف الشيخ عن حكم الصيام لو صادف رمضان موسم الحج. فما كان من الشيخ إلا أن عاد لجلسته القديمة متخذا وضعا مريحا له في ردة فعل عن السؤال الغير متوقع
. في الظروف الطبيعية، مع إحسان الظن بصاحب أو أصحاب الاستشارة وبالمستشارين، لا ولن يخيب من يستشير. رأيان أفضل من واحد، وثلاثة آراء أفضل من اثنين، وكلما أحسنا اختيار المستشارين كلما خلصنا لتوصيات ونتائج مفيدة. ومع زيادة التعقيدات وصعوبة الأوضاع في بلدنا العزيز، اتسائل لماذا لا يتم تكوين لجان تشمل ما لدينا من كفاءات حسب الاختصاصات لدراسة الأوضاع الحالية والخروج بأفضل التوصيات؟
لدينا من الوزراء السابقين والرؤساء التنفيذيين للمؤسسات والخبراء في المنظمات الدولية والكفاءات ما يكفي لدراسة كل مشاكلنا واقتراح أنجع الحلول لها. لا أظن بأن أي منهم سيبخل على تونس بأفكاره وعلمه وتجربته وعلاقاته، ولا أمل لي شخصيا في وصفات مسقطة من وراء البحار قد تنقذ بلدنا من أزماته المستفحلة والتي شملت كل القطاعات والاختصاصات. كل ما هو مطلوب، ولا شيء غير ذلك، تواضع أصحاب القرار حاليا، والإيمان بأن الحل الأمثل لكل مشكل لن يكون سوى تونسيا.
ألا يكفي أن هذه القيادات قد أثبتت نجاحها في تسيير دواليب الدولة ؟ ألا يكفي ما تحظى به من تقدير واهتمام دوليا ؟ كلما تأخرنا في مصارحة الشعب بما وصلت إليه حال البلاد وإن كان أمرا غير مخفيا، وكلما استعجلنا المصالحة مع تاريخنا، وتخلصنا من عقد الماضي وسلبياته، وساهمنا في بناء ترابط بين الأجيال، كلما كانت المعالجة ناجعة وفعالة.
.النوري قرفال