انتظمت ندوة: “ثقافة المحادثة والتنشئة على الديمقراطية. تونس نموذجا” يوم الجمعة 15 نوفمبر 2019 (بين الساعة 14 و 30د والساعة 18) بدار الثقافة ابن خلدون – تونس.
وطبقا للبرنامج المعلن، انطلقت الفقرة الأولى من النشاط بزيارة “قبل الافتتاح” لصالون الإبداعات الشابة، الذي أعدته ونظمته نقابة مهن الفن التشكيلي. ثم افتتح السيد شاكر الشيخي، المندوب الجهوي للشؤون الثقافية بتونس، سلسلة المحاضرات أكد فيها خاصة على أهمية التعاون بين مؤسسات الدولة وهياكل المجتمع المدني لتثبيت ثقافة المحادثة وتكريسها لأجل البناء الديمقراطي ورفاه العيش المشترك.
وتولى مباشرة السيد شاكر الشيخي رئاسة الجلسة الأولى التي انطلقت بمحاضرة الأستاذ والناشط السياسي محمد علي الحلواني الذي تطرق لموضوع الانتقال الديمقراطي بمقاربة فلسفية وسياسية اعتمد فيها على عرض بالداتاشو واستغرقت المحاضرة حيزا زمنيا امتد على 45 دقيقة.
ثم جاءت مداخلة الإعلامي محمد المعمري الذي اشتغل طويلا في الصحافة المكتوبة والذي يشتغل حاليا في إذاعة الشباب والذي قدم مداخلة عنوانها “الإعلام التونسي ومشروع الانتقال الديمقراطي”. قام المحاضر بمقارنة بين الإعلام قبل 14 جانفي 2011 وبعده وأبرز تشعبات عملية حرية التعبير في علاقتها بالسلطة السياسية أو الانحياز السياسي من جهة ودور المال من جهة أخرى عبر الإشهار الذي يشكل المصدر الوحيد للمؤسسات الإعلامية الخاصة. وبذلك يبرز الدور المركزي للإعلام العمومي، لكن تبرز أيضا ضرورة تنظيم الإشهار العمومي. ويرى المحاضر أنه مما يجب تلافيه هو حذف وكالة الاتصال الخارجي. وبذلك يخلص المحاضر إلى أهمية الهياكل التعديلية في الإعلام وإلى ضرورة تعهدها ودمقرطتها لتؤدي دورها على أحسن وجه.
أما الحصة الثانية فقد تمت برئاسة الأستاذ منصور مهني (أستاذ جامعي ورئيس جمعية “المسائل والمفاهيم المستقبلية”) وانطلقت بمداخلة الأستاذ محمد سعد برغل (جامعي. مدير المعهد العالي للغات بالمكنين) وموضوعها “المحادثة في العصر الرقمي: أية ديمقراطية؟”. شدد المحاضر على حجم تأثر المواطن بالوسائط الاجتماعية والاتصال الرقمي وتطرق إلى أمثلة من الواقع التونسي ليبرز تشعب دورها وثنائية نتائجها، مستخلصا من ذلك ضرورة السعي إلى أخلقة التعامل الرقمي عبر العمل على تنمية ثقافة المحادثة في المجتمع.
أما الأستاذ محمد الجويلي (أستاذ جامعي في علم الاجتماع) فقد تناول موضوع “الشباب والأشكال الجديدة للالتزام”، مبينا التقصير الحاصل في مقاربة التعامل السياسي مع الشباب مما ينتج عنه سوء فهم لطموحاته وتصدع في التحادث معه بالطريقة البناءة. وبين المحاضر أن الشباب اليوم قد يكون تحرر قبل غيره من النظرة الثنائية للالتزام السياسي المبني على المقابلة الجدلية وحتى العدائية بين اليمين واليسار، إذ أن التزام الشباب اليوم يكاد ينحصر في الالتزام لهدف آخر هو قيمة الحياة وجودتها. لذلك يدعو الأستاذ إلى فتح محادثات متعددة ومتنوعة مع الشباب حول موضوع الالتزام عنده قصد تشريكه ودفعه إلى الانخراط في بناء العيش معا والمصير المشترك.
وعوض الأستاذ منصور مهني الأستاذة نايلة السليني (المعلنة في البرنامج) التي تغيبت لالتزام إعلامي بالمملكة الأردنية والمتمثل في تسجيل مقابلة تلفزية مع إمام ومفكر إسلامي من الخليج العربي. وجاء موضوع مداخلة الأستاذ منصور مهني حول العلاقة بين المحادثة والديمقراطية في سياق المفهوم الجديد الذي وضعه هو نفسه انطلاقا من إشارات وبذور فكرية للفيلسوف سقراط في ذات السياق، وهو مفهوم الإبراخيليا. أشار الأستاذ إلى أن الديمقراطية المكتملة تبقى هدفا مثاليا يتعين على الإنسان السعي الدؤوب لبلوغه ولو اقتنع من عدم إدراكه كله وفي أبهى وأفضل تجلياته. ذلك أن الإنسان محكوم، ربما بطبعه، بمركبات عدة منها النزعة السلطوية والرغبة في الانتصار والارتفاع ولو على حساب الغير والسعي إلى مختلف أشكال الملكية. من أجل ذلك يحصل في أغلب الحالات تفضيل مفهوم الحوار على مفهوم المحادثة، إذ أن الحوار ينبني على الإقناع والإغراء ولو لصالح فكرة خاطئة أو لاختيار غير ملائم، ولا هم للمتحدث في الحوار غير جلب الآخر لصفه وتجنيده لرأيه. أما المحادثة فتنبني على تبادل أفقي للآراء مبني على استمرارية التساؤل الذاتي والمشترك على نسبية الحقيقة وعلى التواضع للآخر واحترام موقفه ولو كان من أقلية الأقلياـت. إذ يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر. ويضيف المحاضر أن الديمقراطية، إن أردناها فعلا حكما من الشعب بالشعب وللشعب، فلا بد من العمل على غرس روح المحادثة وترسيخ ثقافتها في كل مواطن، وفي السياسي المسؤول قبل المواطن العادي.
ودار في الختام نقاش ثري وعميق تواصل حتى خارج القاعة بعد انتهاء الأشغال وفتح الباب لعديد التساؤلات والقضايا التي قد تكون محاور لاحقة في نشاط جمعية “المسائل والمفاهيم المستقبلية” كما وعد بذلك رئيس الجمعية.
محادثة للتقييم والاقتراح
بعد الندوة، اجتمع فريق مكون من أفراد من بين أعضاء الجمعية وضيوفها لعملية تقييمية أولى انتهت إلى الملاحظات والاقتراحات التالية:
1 – العمل على تنسيق النشاطات المقبلة مع مؤسسات أو نوادي أو أقسام تربوية وجامعية ذات علاقة بالموضوع المدروس حتى ينال هذا الأخير أوسع ما يمكن من الجمهور المستهدف.
2 – مزيد الحرص على العملية الاتصالية والإعلامية والنظر في سبل تحسيسها لأهمية دورها في مواكبة النشاطات الثقافية وتغطيتها حتى عندما يكون منظم النشاط متواضع الإمكانات.
3 – العمل على استقطاب بعض المؤسسات الاقتصادية وتحسيسها لضرورة دعم العمل الجمعياتي الثقافي.
4 – تثبيت دورية هذه الندوة تحت تسمية عامة “الثقافة والديمقراطية” وتغيير العنوان الفرعي في كل دورة. ألمقترح أن تكون الدورة الثانية، ربما في نفس الشهر من السنة القادمة، تحت العنوان الفرعي “الثقافة الديمقراطية بين العائلة والمدرسة والمجتمع”.
5 – اقترح شاب من المتحمسين للعمل الجمعياتي ولسؤال الديمقراطية نشاطا حول “الديمقراطية والأقلية” ( Démocratie et minorité) ربما يكون مشفوعا بتوصية خاصة في ذات الموضوع ترفع إلى مجلس نواب الشعب لتدارسها والنظر في إمكانية الاستفادة منها. (الشاب يقترح عريضة وتحرك لمساندة الأقليات لكن قد لا يتماشى هذا التحرك مع استراتيجيا الجمعية ويعود الأمر إلى الهيئة المديرة للنظر في إمكانية تنظيم النشاط المقترح وفي طريقة تنظيمه والتعريف بنتائجه).
6 – باركت المجموعة سعي الجمعية لبعث مجلة ورقية ورقمية محكمة تتناول بالدرس والتحليل “المسائل والمفاهيم المستقبلية” وهي التي اختير لها اسم “صوت المستقبل” ( Voix d’Avenir).
وجدد رئيس الجمعية شكره للمجموعة على الاهتمام والمساندة للجمعية وأهدافها مشددا على أهمية الدعم التي تلقاه من وزارة الشؤون الثقافية، خاصة المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بتونس ومؤسساتها والسيد المندوب شاكر الشيخي، معبرا عن أمله في أن يتم إبرام اتفاقية تعاون بين الجمعية والمندوبية يضمن استمرار النشاط المشترك. ولم يغفل رئيس الجمعية على شكر أطراف أخرى ساهمت في أبواب أخرى من نشاط الجمعية، فذكر جامعة تونس المنار، والمعهد العالي للموسيقى بتونس، والمعهد العالي للغات بالمكنين، ومعرض سوسة الدولي، ومعهد تونس للترجمة، والمندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسوسة.
عن اللجنة
رئيس الجمعية
منصور مهني