عودة الزمان الجميل، في صوت لا يشيخ
حبيت زماني: غازي العيادي على ركح الحمامات
في واحدة من ليالي مهرجان الحمامات الدولي لسنة 2025، وبين الحنين والحضور، صعد الفنان غازي العيادي لأول مرة على ركح هذا الفضاء العريق، ليقدّم عرضه “حبيت زماني”، أمسية الجمعة 1 أوت، ضمن الدورة 59 من المهرجان. كان ذلك بمثابة موعد مؤجّل طال انتظاره، لكنه جاء في وقته، محمّلًا بطاقة صوتية دافئة، وذاكرة موسيقية تشبه فسيفساء من الحنين والعزف والتجربة الشخصية.
اختار العيادي عنوان السهرة من إحدى أشهر أغانيه، “حبيت زماني”، لكنه بدا أكثر من مجرد عنوان؛ كان استعادة وجدانية لمسيرة تجاوزت ثلاثين عامًا بين التلحين والغناء، ونافذةً أراد من خلالها أن يقرأ فصول حياته الفنية ويعيد ترتيب ذاكرة الجمهور. بدأ العرض بأغنية “سيدي حبيبي” التي شكّلت تحية أولى لذائقة تتعطّش للصوت الصافي والإحساس النقي، ثم توالت الأغاني كما لو كانت فصولًا من سيرة فنية حيّة، من “شايفين عيونو” و”والنبي لو جاني” إلى “عالعين”، فـ”أنا زي زمان” التي حملت تأكيدًا ضمنيًا على وفائه لهويته الصوتية. تابع بغناء “بعترفلك”، ثم “مش طبعنا” التي تمازج فيها الحنين مع التمسّك بقيم زمن آخذ في التغير. ومن الأغاني التي أضاءت السهرة أيضًا “روحي فداك” و”حبيت زماني”، التي شكّلت الذروة العاطفية والإيقاعية في العرض.
أحد أكثر لحظات السهرة دفئًا وعمقًا كان حين صعد الفنان الشاب أيمن لسيق ليشاركه غناء “زمن المصالح”، في ديو مشترك أعاد تأكيد فكرة الجسر بين الأجيال. لكن اللحظة الأشد وقعًا كانت حين دعا غازي شقيقه الأصغر معز العيادي للصعود إلى الركح، ليؤديا معًا أغنية “رضاية الوالدين” أمام والدتهما الحاضرة بين الجمهور، في مشهد تماهت فيه العائلة مع الفن، وتحول فيه المسرح إلى بيت مفتوح على المحبة والاعتراف بالجميل.
تابع العيادي غناءه في مزج ذكي بين الزمن الشخصي والجماعي، من “صبّرك عليّا” إلى “سلطانة”، ثم “نبوس يديا”، قبل أن يختتم بـ”للات البنات”، تحية أخيرة للمرأة التونسية في مختلف صورها، وهي أغنية بدت كإضاءة إنسانية على ختام عرض استثنائي، أعاد فيه العيادي تقديم الماضي لا كمتحف بل كحياة معاصرة.
لم يكن العرض مجرد استذكار لمسيرة، بل كان إعلانًا عن انبعاث فني جديد. لقد اختار غازي العيادي أن تكون هذه السهرة في مهرجان الحمامات دون سواها، ليعود إلى جمهوره بشيء من الهدوء والكثافة، رافضًا عروضًا أخرى سبقتها، كأنما كان ينتظر اللحظة المناسبة للعودة. وقد جاءت، مضيئة، حنونة، ومشبعة بالنُبل الفني الذي ميّز هذه التجربة منذ بداياتها.
ويتواصل نبض هذه الدورة من مهرجان الحمامات، إذ يلاقي الجمهور في سهرة اليوم السبت 2 أوت 2025 الفنان صابر الرباعي، الذي لطالما شدّ إليه الأضواء منذ انطلاقته، بجديته ورهافة حسه. أما ما فعله غازي العيادي مساء أمس، فهو تذكير أن الطرب الأصيل لا يموت، وأن الذاكرة الموسيقية لتونس لا تزال قادرة على احتضان عودته، والفرح بها من جديد.
عن المكتب الاعلامي للمهرجان
ريم خليفة، الحمامات 3 أوت 2025