من أهم المرتكزات التي تقوم عليها المجتمعات الحديثة من أجل تحقيق التنمية لاسعاد شعوبها هي التاكيد على قيمة الوقت واعتباره ثروة من الثروات إلى جانب بقية الموارد الاخرى التي تستغل وتوظف في مجالات متعددة.
والوقت في مفهومه المطلق هو ذلك الزمن الذي نقضيه سواء في العمل وهو المطلوب أو في تمضيته في ما لا يعني من خلال الجلوس في المقاهي وهي عديدة في بلد مثل تونس الذي تميز بوفرة فضاءاته القهوية والاستثمار فيها بشكل يدعو إلى التساؤل عن جدواها الاجتماعية و الاقتصادية.
تشير المعطيات المتوفرة حول هذا الجانب إلى نسبة 75٪من الوقت الطبيعي يقضى يوميا في الفضاءات العمومية المترواحة بين المقاهي والأسواق العمومية و الفضاءات التجارية والشوارع والانهج.
مجتمع بلا مشروع :
ان الوقت هو قيمة إجتماعية واقتصادية لا تقل أهمية عن بقية المجالات الاخرى الحيوية و الإستراتيجية التي من شانها إن تحدث نقلات نوعية في حياة البشر المؤمن حقا بأن الوقت لا يمكن هدره في أشياء لا معنى لها عبر تعبيرات وسلوكيات لا تمت إلى مقتضيات العصر الحديث المرتكز على الابداع والإنتاج واخضاع القوى الطبيعية بما فيها من ثروات لفائدته إلى جانب الرهان على ما اصطلح بتسميه بالذكاء الاصطناعي الذي اشتمل كل المجالات الحيوية البيولوجية منها و الطبية والتكنولوجيات الحديثة التي لم تستثني أي مجال من المجالات من صناعة الطائرات إلى السيارات و البواخر و القطارات.
ان العالم الجديد والحديث هو ذاك الفضاء الذي يعمل ويبدع ويتميز في مجالات عدة ومن اهمها مجالات الاتصال و المعلوماتية و الصناعات الابداعية التي غزت العالم في ميادين الاشهار و السينما و الهواتف الذكية والتجارة عن بعد.
أفادت إحدى الدراسات الحديثة بأن العالم الحديث تحكمه خمس مؤسسات خدماتية في مجال الاتصال والتواصل و الشبكات الاجتماعية وهي ما يطلق عليها بالقافام أي مؤسسات قوقل وابل والفايس بوك و امازون وميكروسوفت.
لمن لا يعلم تقدر ثروات هذه المؤسسات الخمس بميزانيات كل الدول العربية مجتمعة وإن المرابيح اليومية تحسب بمئات المليارات من الدولارات دون أن ننسى حجم التشغيلية لكل مؤسسة من المؤسسات فعلى سبيل المثال تشغل مؤسسة امازون وحسب معطيات سنة 2019 مليون عامل موزع بين مهندسين وخبراء ومختصين في مجالات عدة.
الوقت والاضرابات :
ان كنا تميزنا في شئ منذ 2011 فاننا ابدعنا في شن الاضرابات و القيام بالاعتصامات وتعطيل المرافق الحيوية في مجالات مصيرية مثل كالفسفاط و البترول وبقية
المصالح الاخرى المرتبطة بمصير الناس ومعاشهم و أحوالهم اضافة الى تخلينا عن استغلال قطاعات حيوية مثل الفلاحة التي تعد مستقبل الوطن.
شعب لا يعمل :
أفادت المؤشرات الاقتصادية بأن التونسيين وكطاقة إنتاجية لاتعمل بالشكل المطلوب إذ لا تزيد المدة القصوى وذات المردودية لا تتجاوز الساعة والنصف و البقية تراوح بين ارتياد المقاهي والابحار عبر الشبكات الاجتماعية من أجل التلهي وتمضية الوقت في مسائل لا تحمل أي مضمون إيجابي.
ان الإشكالية المركزية في تونس والتي نعاني منها إلى الان هي غياب ثقافة العمل وإنعدام المشاريع وعدم ايلاء قيمة لعنصر الوقت الذي هو جوهر رقي الأمم والشعوب ولنا في تقدم المجتمعات الآسيوية والاوروبية خير مثال ودليل.