يهيمن في الوقت الحاضر ضربان من العلاقات بالآخر داخل المجتمعات الغربية وخارجها ونعني بهما العنصرية والكولونيالية، وهما الآن أفقا الرأسمالية الرئيسيان وقد أظهرت أزمة الكورونا بوضوحهذه العلاقة التي كانت الدبلوماسيّة تحاول حجبها:
العنصرية:
في الواقع إن الانتهاكات الواسعة ضدّ الأجانب في بلدان عديدة من العالم في السنوات الأخيرة وصعود المجموعات الفاشية الجديدة التي تتمكن أكثر فأكثر من مصادر القرار في بلدان كثيرة ونشاطات الأقليات القومية المتطرفة والمتعصبة وتسرّب شعارات وأوامر إقصائية وعنصرية كل ذلك يشهد على خطورة هذا الإقصاء. إذ ليس هنالك فقط تعزيزا “للتظاهرات العنيفة والجماعية للعنصرية”، بل أكثر من ذلك، هنالك تمرير لقبول العنصرية داخل النسيج المجتمعي لتصبح شكلا من العلاقات العامة العاديّة. نجدها في الوقت الحاضر تحت غطاء عقلي ومعرفي وطبّي تنشر عبر وسائل الإعلام لكثير من المفكرين والكتّاب والعلماء الذين يتهمون الآخر في ثقافته وفي أنماط حياته ودياناته وقد يشيِّؤونه مثل ما اقترح أطباء فرنسيون أخيرا بتجريب لقاح الكرونا على الأفارقة.
الكولونيالية:
إن مصطلح الكولونيالية، غامض نوعا ما ويحتاج إلى تبرير. ولكن يجب تناوله بصرامة أكبر ليس فقط باعتباره حاليا موضوع دراسات في الجامعات الأمريكية، بل لأنه يفسّر لنا علاقة جديدة للإمبريالية بالبلدان المضطهدة كما يفسر لنا الأسباب العميقة للحروب التي تعلنها أمريكا وحلفاؤها. لقد تم تدشين الحداثة بشكل واسع منذ استعمار أمريكا. وهنالك بعض الأطروحات تذهب إلى حدّ التأكيد أن الحداثة والكولونيالية تشيران إلى نفس الشيء. فمن نافلة القول أن البحث التاريخي المتعلق بنشأة دولة أمريكا مرتبط ارتباطا وثيقا باستعمار الأرض والشعوب الأصلية. بل نشأة الحداثة الأوربيّة رهينة الاستعماريّة. فالحدود الحالية للعالم قد نجمت في أغلبها عن سيرورة الاستعمار التي بدأت مع الحداثة. وتحليل حركات الحضارات يشهد على ذلك. لكن الكولونيالية وحدها لا يمكن أن تفسر الحداثة وتؤسسها: ليس فقط لأنها ظاهرة لحركة الناس والخيرات، تلك الظاهرة الموجودة منذ القديم بل وأيضا لأنها ظاهرة نتجت، هي ذاتها، عن سيرورة لتطور علمي واقتصادي. فلا يمكن أن نفسر، في الواقع، تدشين حقبة عظيمة للإنسانية من خلال تأثير سيرورة ما. إذ يجبرنا منطق التفكير الفلسفي في التاريخ على المضي إلى عمق الأشياء حتى نستطيع تمييز ما هو سبب الظاهرة وما هو نتيجتها. والآن، إذا أردنا تفسير ظاهرة سيطرة الحضارة الأمريكية خصوصا والحضارة الغربية عموما، يمكن أن نعتبر الكولونيالية عاملا مهمّا وتأسيسيا لذلك.
هذه الاستعمارية، في القارة الأمريكية، قد ترجمت من خلال مجازر على مستوى لا يمكن تخيّله مسبقا. الإبادة الجماعية للسكان الأصليين حقيقة تاريخيّة. كذلك الشأن بالنسبة إلى ترحيل السكان السود من إفريقيا من خلال قتل ملايين العبيد، وخاصة إقامة بنية لسلطة عنصرية واقصائية إلى زمن ليس ببعيد، مما يوفر لمصطلح الكولونيالية منزلة خاصة في فهم علاقات التثاقف داخل العالم الأاوربي. فليس بغريب على الأقل في مستوى اللاوعي الجماعي أن تواصل هذه السياسة الإبادية على النطاق العالمي عامة
وفي الواقع، إن بنية المعقولية الغربية هي التي أدمجت الكولونيالية من حيث هي علاقة موجبة مع الآخر. لقد تمت الممارسة الحية لهذه العلاقة في العراق إثر احتلاله وفي سوريا وفي عدّة بلدان. كما تتم ممارسة يومية لها اليوم في فلسطين التي تعيش حرب إبادة أمام الجميع بدون أن يحرك سواكن المثقفين الغربيين إلا ما ندر. كذلك يجب أن ننتبه إلى وجود صورة أخرى للكولونيالية تتم من خلال بناء المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة. هذا البناء الذي يقدم لنا صورة عينية للسياسة الكولونيلية الجديدة للعالم.
هكذا تكون المعقولية الغربية الحالية في صبغتها الليبيرالية الجديدة غير قادرة على توحيد الإنسانية من جديد وغير قادرة على بناء كونية عادلة بمنطق غير قابل لأي استثناء. وما علينا نحن المثقفين والمفكرين في الإنسانية الثانية الإنسانية المتروكة إلا أن نقاوم بكل الوسائل حركتي العنصرية والكولونيالية وأن نبني لثقافة كونية حقيقية تعتمد العقل التواصلي الحقيقي.