بنكهة الربيع وإلهاماته أكتب لكم ما جال في خاطري أثناء جولة صباحية وسط طبيعة خلابة و طقس ولا أجمل. لن أنكر حبي وعشقي لفصل الاعتدال والجمال. لما لا؟ وهو الذي تجتمع فيه كل العوامل والمعايير التي من شأنها تحسين المزاج وبث الموجات الإيجابية في كل الإتجاهات مع استثناء بسيط وظرفي في علاقة بالامتحانات الدراسية وما يعيشه الطلبة والتلاميذ واهاليهم من ضغوطات وانتظارات.
لا يذكر الربيع إلا وذكرت معه الأمطار الربيعية وتأثيرها السحري على نجاح الموسم الفلاحي. تخضر الأرض ربيعا وتزهر النباتات والأشجار في صورة تسر الناظرين وتمتع المتجوِلين وتؤنس المسافرين بجمالها.
كم كانت ممتعة تنقلاتي الربيعية في ربوع بلادي سواء كانت لأسباب مهنية أو ترفيهية!
اكتشفت منذ أول زيارة للعالم الآخر وتجاوز للمتوسط جغرافيا بأن الشعور هو نفسه. فقد حدثني أحد الأصدقاء من دولة السويد محاولا التعبير عن حبه وفرحته بقدوم فصل الربيع بعد شتاء قاس عن وجود إحساس جميل أسماه بالمشاعر الربيعية. كان يحاول التعبير عنه بصعوبة سببها حرصه الشديد على النجاح في ترجمته لغويا مع الحفاظ على المعنى، فاسعفته قائلا، بعد فهمي وقرائتي لأفكاره، بأن لنا مثلا شعبيا يتعلق بالربيع يختزل كل ما كان يريد التعبير عنه. كما عبر لي صديقي عن فجعته الكبرى اذا دعي لمهمة خارج البلاد في فصل الربيع وهو الذي يعشق السفر ، بل حتى أهمية الامتيازات المرافقة للمهمات الخارجية تصبح غير مغرية أمام متعة الربيع. لذا، يصعب على صديقي وبقية الزملاء مفارقة الربيع لاعتناق فصل آخر قد يكون مجهول الأطوار أو متقلب المزاج. لمست أيضا فرحة نجدية بالربيع تحسبا لصيف لا حياة فيه من غير مكيفات. وقد لا تختلف بقية المجتمعات في تعاملها ومشاعرها تجاه فصل الربيع مع مراعاة فارق التوقيت وتنوع الثقافات.
أخذتني قدمايا أكثر من مرة لجولة صباحية في حديقة البلفيدير بمدينة تونس. كم هي رائعة وجميلة تلك الحديقة التي بقيت المتنفس النادر لسكان العاصمة أو العديد من أحيائها. أشجار كبيرة وقديمة متشابكة أحيانا بنكهة أمازونية تذكرنا بعراقة بلادنا وسحرها النابع من عمق التاريخ ومفعول الجغرافيا. لا أريد أن أفسد هاته الصورة الرائعة بسلوك غير حضاري للبعض، وسأكتفي بالقول بأنه كان بالإمكان أحسن وأفضل مما كان من حيث الاهتمام بالحديقة وحمايتها من عبث العابثين. وفي هذا الصدد، استسمحكم لتجاوز خط الدفاع عن حديقة البلفيدير وكل ما تزخر به بلادنا من ثروة غابية ومحميات طبيعية ومنتزهات الى تبني خطة هجومية واستباقية من أجل تسجيل أهداف جديدة تحسب لنا من قبل الأجيال القادمة.
لا يليق الإهمال لكل هذا الجمال. الآن وليس غدا، علينا بتبني خطة وطنية لتثمين ما نمتلك من حدائق جميلة وتحويلها إلى منتزهات خمسة نجوم، وأقترح أن تشمل هذه الخطة الوطنية ما يلي :
اولا: تطوير كل ما تحتوي الحدائق العمومية والمنتزهات من مرافق وما تقدمه للزائرين من خدمات ضمن شراكة ناجحة وناجعة بين القطاعين العام والخاص طبقا لكراس شروط بمعايير دقيقة تحمل معها جودة عالية وخدمات راقية.
ثانيا: حماية كل ما لدينا من غابات وأراضي فلاحية من عبث العابثين من قبيل الحرائق المفتعلة، والقطع العشوائي للأشجار، ومن المتحيلين الذين يحولون امام أعين دولة ضعيفة وأحيانا متواطئة صبغة الكثير من الأراضي الفلاحية الى أحياء سكنية فوضوية. بعض مظاهر الإعتداءات على الأراضي الفلاحية واضحة للعيان خلال مرورنا من طرقات رئيسية. مظاهر التحيل أيضا منتشرة على الشبكات الاجتماعية ضمن محاولات لتسويق أراض فلاحية على أساس انها صالحة للبناء، ولا حسيب ولا رقيب !
ثالثا: إيلاء الحدائق والمنتزهات والمساحات الخضراء الأهمية التي تستحقها في مخططاتنا العمرانية المستقبلية والحرص على احترام المخططات والإلتزام بها عند التنفيذ.
رابعا: التنسيق مع المؤسسات والمنظمات الوطنية والجمعيات ودعوتها للمشاركة في مشاريع تهدف للاهتمام والمساهمة في رعاية وتجميل وتنظيف حدائقنا العمومية، وتنظيم وتنشيط فعاليات تهتم بالبيئة وتوعية الأطفال والشباب بأهمية البيئة.
أخيرا وليس آخرا: لا زلت أنتظر في تونسنا الخضراء من يعلن ويتبنى مشاريع وطنية كبرى من أجل زراعة مليون شجرة زيتون سنويا أو مليون نخلة أو أي نوع من الأشجار المثمرة كالقوارص والكروم والخروب والتين … وحتى غير مثمرة، في كل المناطق التونسية وحسب خصوصية كل منطقة بعد استشارة أهل الذكر. كما لا زلت أتطلع لمشروع إحداث حديقة وطنية في كل ولاية تكون متنفسا ومزارا وخزانا من الأكسجين للأهالي.
بالوعي المجتمعي، بحسن التخطيط، وبالعمل الجاد، ستبقى تونس الخضراء خضراء، وسنعمل بالمثل القائل “زرعو فأكلنا ونزرع فياكلون” .