للكتاب روح فلا تؤذوها…
تعدل مزاجي، أمام قهوتي المعتقة. مضى زمن على كتابة الشذرات التي رآها البعض هروبا من القلق والايقاع السريع للحياة، وفسرها آخرون على أنها من فنون الكتابة العلاجية أو هي كتابة تأملية. لم انجبها لأي قصد، جاءت كما تريد في الوقت التي ارادته، ثم تحركت الأسباب لنشرها فنشرت ورأت النور. ثم رأيت عنوانها ملتصقا بعدة معارض وفقرات اعلامية وتشكيلية..فلم يقلقني ذلك الأمر بل هي التي انزعجت. ثم وضعته في مكتبة الكتاب فاخفاها عن القراء، ثم نقلها الى مكان أبعد.. ولكنها ارتحلت معي الى الجنوب ففرحوا بها ولم أعد للعاصمة بأية نسخة منها..
لم أكن أنوي الحديث عن “شذرات من حياة” لانه سيكون موجودا في أغلب المكتبات العمومية. وذلك يسعدني. ولكني كنت أود الحديث عن الكتابة، هي ربة الحرف والزمان.
أهلنا في الجنوب، يحترمون الكتاب..ويشترونه ولا يطلبون هدايا. يشعرونك عندما تهدي لهم كتابا انك اهديتهم سقفا من ذهب أو جزءا من النعيم..وعندما تتوجه لهم..لن تنهكك المسافات لأنك تنتظر عرفانهم وأسئلتهم الحقيقية وان داهمها الانفعال، وحرصهم على أن تجد راحتك بينهم. ترى في نظراتهم أنهم يكفرون على ذنوب الذين احبطوك وأنهم يعوضونك ركوب الليل وتورم العينين. ثمة فرق انطولوجي بين أن تقدم كتبك في العاصمة أو أن تحملها الى فيافي البلاد، الى اماكن قصية بعيدا عن العاصمة. هناك سوف ترى حيطان المدن تبكي غربة الحرف، سوف تقدمك النسوة انموذجا لاولادهن، سوف يستغرب سائق سيارة الأجرة ومن معه سر انهماكك في الكتابة والقراءة باكرا. سوف تكون قائد الرحلة ومستشارهم الثقافي
للارياف والقرى روح خاصة تراوح بين البراءة والذكاء والحكمة..لا تدرك كيف امكنهم أن يجهزوا لك كل شيء. لن ترى الكواليس ولن تسمع هرجا أو مرجا، لن تفهم من أين وكيف تم توضيب السفرة..ربما ناولوك مؤونتهم وهم جياع وفرشوا لك الأرض لكي تستريح وفي المساء كان سريرهم و غطاءهم الوثير لك وحدك.
ستجد نفسك أمام الخبز المغموس في الزيت. طفلا من جديد، حقيقيا. وأمك معك تغني لك الهدهدات.. يحرصون على جعلك تتصور انك الأحسن والاجدر وهم يعلمون أنك تتألم من حكايات الميترو وطوابير الانتظار.
فوزية ضيف الله