المخرج المسرحي أنور الشعافي
المعلّقة ( البوستر) علاماتيًّا هي اسم علم للعرض أو التظاهرة، لها وظيفة انتظارية قد تتأكد أو تتغيّر أو تنتفي بعدها
معلّقة تجريبي القاهرة 2004 الذي يُفتتح اليوم (غرة سبتمبر 2024) والتي صممها الفنان مصطفى عوض جاءت منزاحة عن القوالب الجاهزة، جاذبة في ألوانها حمّالة معاني في مكوّناتها، يطغى عليها الاخضر الزيتوني ويُسمّى أيضا اخضر الورق القديم vieux (papier vert – Green old paper) بتدرّجات مختلفة ابتداء من الخلفية The (Background).
وأمّا الشخصية – المركز فيبدو أنها ترتدي لباسا فضفاضا أبيض اللون مع إيشارب وقد اكتسبا لونهما الزيتوني المتماهي مع الخلفية بتأثير مرشحان لونيان من درجتين للاخضر الداكن رقم 736 والاخضر الاوّلي رقم 139 حسب مقياس (Les filters) مع إضاءة جانبية بيضاء (latéral)موجّهة من اليسار إلى اليمين قد ساهم انثناءات اللباس في خلق تموّجات زادت من تعدّد درجات اللون كما ساهمت في جعل الشخصية نابضة بالحياة لأن الانثناءات تخلق إيقاعا والإيقاع يُوجد أيضا في الصورة وليس في الصوت فحسب، والشخصية هي أصلا في حركة، فيدها اليمنى ممدودة إلى الأمام وساقاها منثنيتان بالإضافة إلى حركة الايشارب مع الريح، والآخر بلون الأحمر الملكي، الشخصية وهي في وضع سير من اليمين إلى اليسار وكأنّها داخلة من جانب الساحة (côté cour – stage left) ولعلّها مصادفة أن الشخصية هي لامرأة وكانت تسمّى قبل ذلك جانب الملكة (côté de la reine) بينما كان يُسمّى جانب الحديقة (côté jardin) جانب الملك (côté du roi) ، الشخصية حافية القدمين وكأنها إشارة لقداسة الفضاء المسرحي كما نادى به غروتفسكي (Grotowski) حيث كان يطلب من المتفرجين ترك أحذيتهم المتسخة بالطريق ولبس أخرى نظيفة وفّرها لهم.
ترتدي الشخصية قناعا أبيض يبدو للوهلة الاولى محايدا (Un masque neutre , a neutral mask ) لكن عند التدقيق في العينين الذابلتين وهما في وضعية تركيز يُظهر غير ذلك، شعرها أصبح غصن زيتون ممّا يزيد في سمفونية الألوان بالإضافة الى المعاني الإستعارية للزيتون ومن بينها إحالته التارخية عند شعب الجبارين كرمز للصمود و النضال وتوجد بقرية “الولجة” قرب بيت لحم أكبر وأقدم شجرة زيتون في العالم لذلك يمكن تأويلها على أنها غمزة Un clin d’oeil ( a wink ) لما يحدث الآن هناك بطريقة فنية راقية، إضافة الى رمزيتها الأسطورية و التاريحية فقد أهدت أثينا إلهة الخصوبة عند الاغريق البشر هذه الشجرة لتكون رمزا للسلام والحكمة والأبدية، كما كانت لها أهمية خاصة لدى قدماء المصريين، فقد اكتُشف قرب مدينة طيبة مقابر فيها باقات من أوراق الزيتون وتحمل واحدة من المومياءات تاجاً مصنوعاً من أغصانها، و قد أعلت مختلف الأديان من شأنها حيث تعتبر المسيحية المسح بالزيت دليلاً على حلول الروح القدس واعتبرها الإسلام شجرة مباركة فأقسم بها في القرآن.
إن معلقة تجريبي الدورة 31 بثقل مرجعياتها الفكرية مؤشرة على برمجة واعدة و مؤكدة على أن المسرح فكر مبثوث في جميع مفردات العرض وأولها مُعلّقته.
الأستاذ المخرج المسرحي أنور الشعافي
مدنين (تونس)1 سبتمبر2024