تأكد ان صالح بن رمضان يواصل المضيّ في الخط القصصي الذي رسمه لنفسه،منذروايته الاولى”ام الحسن غنات”، اعني رواية أحداث المجتمع التونسي الحديث والمعاصر وتوظيف شخصيات رمزية ولكنها واقعية يبني عليها الوقائع ويستمدها من ذكريات الطفولة والشباب مرورا بالكهولة وصولا إلى الشيخوخة من خلال نسيج النص السردي المطبوع بالواقعية،والغنيّ بالحكم والامثال.فقاريء رواياته يراجع تاريخ تونس من الحياة المنجمية بالرديف إلى كفاح النساء ونضال بعضهن من أجل حياة أفضل الى مرحلة التعاضد وبداية هجرة الشبان الى فرنسا وتعقد الحياة الزوجية والاصرار على الكفاح من اجل منزلة انسانية افضل. وتستوقفك المشاهد من الجريد إلى سوسة والقيروان وصولا إلى ضاحية الزهراء فالعاصمة( مونفلوري،باردو،قمرت)مثلا.
بعد روايته لقاء ومحّضها للطفولة و اشكال التّبني ودُور الحضانة ورياض الأطفال ،يتصدى في روايته الجديدة”الزهايمر 5نجوم” لموضوع الشيخوخة، مضيفا الى العنوان في الداخل”رواية من بعد فجر الانسان”.الرواية في187 ص،صادرة عن دار ورقة للنشر،تونس2024. وإذ لا أعرض التفاصيل والأحداث فإني أشير إلى ان المؤلف قد تبحّر في كل ما يتعلق بمرض الزهايمر وهو يجمع الأفكار ويبني خطة الرواية،ثم بعد ذلك كان البناء الفني للنص والحرص في السرد على التسلسل المنطقي وانتهاء الى معجم فصيح عرض لوحات وصفية راقية فنيا،موظفا الأمثال والحكم باللهجة التونسية دون شطط او نشاز،ويظل النص الذي استهل به الرواية تحت عنوان الوهف،بعد تقريره،بلا اهداء ص5،نصا استثنائيا يعلن عن نهاية عالمنا ويبشر بعالم جديد على نحو بعض افلام الخيال العلمي التي تستشرف مصير الكون بعد نهاية البشر وتدشين مرحلة التوحش.
بعد رواية لقاء رواية الطفولة وسمو المشاعر الانسانية وفيض الحنان الذي تمرد على الكاتب وفضح جانبا من مشاعره الذاتية تأتي رواية الزهايمر موضوع تقديمنا لتسد ثغرة واضحة: “…ذكر لي انه كاتب رواءي،وان لم يقرأ في ثقافتنا شيئا مهمّا يخص الكبار،سواء في الشعر او في الرواية او في العلوم الاجتماعية”ص128.ويمضي من خلال شخصية احمد بن عمار الرابحي،الذي عاش112سنة،في تناول شخصيات رجال معمرين التقوا في دار الكبار وكان اسمها دار المسنين ليعالج موضوع الشيخوخة ويستعرض أحداث قرن من الزمن التونسي،من خلال ذكريات شخصياته مخترقا الزمان والمكان وعلاقة الأجيال ببعضها بعضا.
يقول الشيخ المعمر:”لم يفكر ابنائي ولا أبناء الكبار الذين معي ان عزل الكبار عن الصغار قد يؤدي إلى تعليق احساسهم بانهم في فضاء قريب من أبواب المقابر،لا يعلمون ان المقيم في دار الكبار معرض لرؤية مواكب الموت اكثر من غيره”ص109
قديطول القول في هذه الرواية وما وظفه فيها المؤلف من تقنيات القص،ولكن طرافة الموضوع و الانتباه اليه تفيض على كل قيمة أخرى…دونكم الرواية فاقرؤوها واكتشفواما غاب عني في هذا التقديم.
عبدالرزاق الهمامي