أصول”… إبداع موسيقي يضيعه خطاب متنافر وفقرات بلا انسجام
في ليلة 12 أوت 2025، كان ركح مهرجان الحمامات الدولي أكثر من مجرّد فضاء للعزف؛ كان مسرحًا لرحلة موسيقية امتدت من قرطاج إلى غرب إفريقيا، مرورًا بنيو أورلينز، حيث التقت إيقاعات الجاز والفانك والمزود والسطمبالي في لوحة واحدة.
ياسين بولعراس، القادم من عالم الفلسفة والمتمرّس على الساكسفون، قاد العرض بعنوان “أصول” إلى عوالم تمتزج فيها الموسيقى التونسية والأفروأمريكية، بمرافقة نسرين جابر بصوتها الدافئ، ومهدي “دابليو أم دي” بلمسته الرابّية الحادة، مع نخبة من العازفين: عمر الواعر (بيانو)، هادي فاهم (غيتار/وتر)، يوسف سلطانة (باتري)، ونصر الدين شبلي (إيقاع).
كان العرض احتفاءً بالجذور وأراد أن يخلق جسرًا إنسانيًا بين ضفاف متباعدة، مستلهمًا إرث ديزي جيليسبي، ومُعيدًا صياغته برؤية معاصرة. التوزيعات الموسيقية جاءت متقنة، والانتقالات بين المقامات والإيقاعات سلسة، مما أعطى العرض ديناميكية وإيقاعًا متصاعدًا.
غير أن فقرات الحفل غاب فيها الانسجام أحيانًا، وكأنها جزر موسيقية جميلة لكنها منفصلة، وهو ما أضعف الخيط الناظم للفكرة العامة، رغم روعة الموسيقى وقوة الأداء الفردي والجماعي. وزاد من هذا الشعور ما اكتُشف لاحقًا من أن الخطاب الذي ألقاه الرابور مهدي “دابليو أم دي” خلال العرض كان ارتجاليًا، ويحمل شحنة أيديولوجية وتقييمات لا تتماشى مع روح هذا النوع من الموسيقى العالمية، التي تقوم على الانفتاح وتجاوز الانقسامات.
كما أن البنية الغنائية افتقرت إلى نصوص شعرية تحمل نفس العمق الذي قدمته الموسيقى، فبدت التجربة وكأنها تبحث عن كلمات وشعراء قادرين على مجاراة زخم الألحان ورسالتها الإنسانية.
“أصول” أثبت قدرة بولعراس على المزج بين الثقافات وصهرها في بوتقة واحدة، لكنه أيضًا كشف الحاجة إلى ضبط الخطاب المرافق للموسيقى، وتطوير الجانب الغنائي وبناء تماسك أكبر بين الفقرات، لضمان وصول الرسالة بروح واحدة متصلة.
وسيختتم مهرجان الحمامات الدولي دورته 59 يوم 13 أوت، الموافق لعيد المرأة، بصوت نبيهة كراولي، لتغلق الدورة على أنغام الأصالة التونسية.
ريم خليفة
الحمامات