اليوم، بعيدا عن حاضرة تونس (زادها الله تكريما وتشريفا) وفي مسقط رأسي، هناك أمر يستحق أن نقول فيه قولا، فنحن نكتفي بالكلام عن “الأحداث” نتوسّل من خلال الكلام عنها الفهم وإدراك بعض معاني الأشياء من جهة دلالتها عند الناس… الأمر هو أن مكتب البريد عندنا شهد خروج ساعي البريد (موزّع الرسائل على أصحابها) وقد كان خرج إلى التقاعد منذ أكثر من سنة ومنذ ذلك التاريخ لم يقع توزيع البريد على أصحابه… وأنا شخصيا لاحظت ذلك فقد انقطعت عنّي مراسلات البنك الشهريّة كما فواتير الهاتف… ولكنني تصوّرت أن الأمر يعود إلى سياسة تقشّف في المصاريف بالنسبة إلى المؤسستين المذكورتين… ولكن حصل أن لم أتصل بالإعلام بتجديد تأمين السيارة وكنت لا أعوّل على تذكر هذا الأمر والالتزام بقتضياته إلا على وصول هذا الإعلام إليّ… ولم أتفطن إلا وقد وقعت في مطبّ مخالفة خطيرة من جهة تبعاتها المالية خاصّة… وعند احتجاجي لدى وكالة التأمين بسبب ذلك وقع إفادتي بجميع القرائن بأن المراسلة قد وجّهت إليّ في موعدها… وتبعا لذلك توجهت إلى مكتب البريد مستفسرا استفسار احتجاج وتقريع… فعلمت أن جميع المراسلات لم يقع توزيعها منذ حوالي العام وأنها مكدسة في غرفة من غرف المكتب وأن السبب هو أنه قد وقع تعويض العون المتقاعد منذ حوالي السنة بساع جديد، من المنتدبين بعد الثورة، وذلك في إطار نقلة، وبأن العون المذكور هو من “سيدي بوزيد” (مهد الثورة) وبأنه لم يكن راض بنقلته إلى مكتب بريدنا (يريد أن يكون في مسقط رأسه) ولذلك فهو يرفض القيام بعمله… منذ سنة كاملة، وبأنه قد يحضر أحيانا، وبكونه يتمتّع بجميع امتيازاته المالية بما في ذلك منحة الإنتاج (وممكن منحة الشمس) وبأنه لا شكّ سيخرج من عندنا بعد مدّة وقد صار “ساعي بريد أوّل مميّز فوق الرتبة درجة استثنائيّة”…نعم. وأشار عليّ رئيس مكتب البريد بأن أدخل القاعة وأبحث فيها عن مراسلاتي إن شئت… فعلت فرأيت أكداسا مكدّسة هي مراسلات إدارية وبنكيّة متراكمة ومن بينها ردود على مطالب أو إعلام بآجال مناظرات فات الوقت على أصحابها… وضاعت مصالحهم. عرضت على رئيس المكتب أن أقوم أنا بتوزيع الرسائل تطوّعا (شويّة رياضة؟ و”عندي الوقت”) فأعلمني بأن ذلك ليس قانونيا لأن مصلحة البريد (البوسطة) مؤتمنة على مراسلات الناس (سريّة المراسلات حق من حقوق الإنسان الأساسية). تعليق: قلت في نفسي (كي أفهم) هذا العون الذي جاء من “سيدي بوزيد” (مهد الثورة)، لم يأت لعمل بسيط هو توزيع الرسائل… هو جاء لتعليم الناس قيم الثورة: عصيان الدولة، عدم الاعتراف بالتراتب الإداري، اعتبار كل أشكال عدم إنجاز العمل نضالا أي نعم…وعلى الذين يعتبرون العمل قيمة من أمثالي أن يفهموا “الرسالة” الآتية من أعماق أعماق هذه البلاد ومن الأعماق العميقة لشخصية أبنائها. تعليق 2: إذا عرف السبب بطل العجب.