بقلم النوري قرفال
تحية لكل الأمهات وقد احتفلنا منذ أيام بعيدهن، تحية لهن سواء كن أحياء أو أموات داعيا لهن بالرحمة والمغفرة. إذ مع مرور الزمن وتنوع التجارب والخبرة الحياتية، أتأكد بما لا يدعوا للشك من صحة ونجاعة نصائح أمي، وقد صدق من قال ” الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق ” (أحمد شوقي، وكذلك حافظ ابراهيم). كانت أمي تردد على مسامعنا هذا المثل التونسي الجميل ” عز نفسك تصيبها، النفس نفسك وانت طبيبها “، كما كانت تقول لنا أيضا ” أسمع كلام الي يبكيك وما تسمعش كلام الي يضحكك”.
ومن هذا المنطلق آمنت بأن احترام الإنسان هو احترام لي أولا ومن ثم للإنسانية جمعاء. كنت أتخيل نفسي مكان الآخر في كل المواقف فتنزل في قلبي كل الصفات الجميلة من حسن استقبال للآخر واحترام وتواضع ومحبة ورحمة وشفقة إلى المسارعة بمد يد المساعدة من أجل قضاء حوائج الناس وخدمتهم من أي موقع كنت. أقول هذا ولا أنزه نفسي من الأخطاء أو التقصير البشري. تعلمت في تجربة مهنية مبكرة مع واحدة من أكبر الشركات العالمية الرائدة في مجال صناعة الإتصالات بأن سرَ النجاح الأساسي ليس سوى احترام البشر! قرأت أيضا كيف يطالب أنجح القادة عالميا في مجال الأعمال بمعاملة الرؤساء في بيئة العمل لموظفيهم كما يريدون أن يعامل أفضل زبائنهم. وتعلمت أيضا القبول بالتغذية المرتدة وعدم المسارعة باتخاذ سلوك دفاعي أو إنكاري للأخطاء أو النقائص.
تصدمني وتنغص عليا كل يوم طوابير تصطف أمام الوزارات والمحاكم والبلديات والقباضات المالية والبنوك وتقريبا كل المكاتب التي تقدم خدمات عامة للمواطن. ألا يشعر كل منا بالمسؤولية والخجل؟ أليست هذه الطوابير وساعات الإنتظار إهانة لكل مواطن خصوصا في العصر الحديث؟ سنوات عجاف تمر من أعمارنا ونحن نستمع إلى أجمل الشعارات والوعود المتعلقة بالتحول الرقمي لكن لا نتيجة تذكر! وعلى رأي المثل القائل ” الزغاريد أكثر من الكسكسي”. أؤكد مرة أخرى بأن تقديم أي خدمة للمواطن في هكذا ظروف وبمثل هذه الرداءة والصعوبات هي إهانة لكل مواطن تونسي مهما كان موقعه أو علا شأنه. سيدي المسؤول حتى وإن لم تعش شخصيا أي من المواقف الصعبة، فاعلم أن احترام الغير لك في الداخل والخارج مبني على تقييم جودة الحياة في بلادنا، وحتى وإن كانت لك جنسية ثانية أو ثالثة فتذكر بأن احترام أي دولة أخرى لك سيبقى مبني على رقي وتحضر موطنك الأصلي!
ما الذي يمنعنا من تحول رقمي ناجح وسريع؟ لا أرى سوى غياب الإرادة السياسية، وتمعش البعض واستفادته من الفوضى. التحول الرقمي ثقافة أولا وقبل كل شيء، ومن ثم قوانين تلزم بها الدولة كل الوزارات والمؤسسات من أجل توفير كل المعاملات إلكترونيا وعن بعد للمواطن وتحديد مدة زمنية لإنجاز ذلك. ومن أجل التبسيط، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، ما الذي يمنع البنوك من مواصلة تسهيل معاملات الناس وسحب أموالهم من جميع الصرافات الآلية وبدون أي رسوم؟ لماذا لا توفر البنوك وهي أكبر القطاعات ربحية كل الخدمات الآلية المتعلقة بسداد الفواتير والتحويلات المالية وغير ذلك من الخدمات ضمن باقة من الخدمات في الصرافات الآلية؟ وينسحب هذا أيضا على الديوان الوطني للبريد. لماذا لا تتوفر خدمات مالية عند مشغلي شبكات الإتصالات على غرار بقية المشغلين في مختلف دول العالم؟ ماذا يعني طابع جبائي في العالم الرقمي أو إيصال دفع ؟ لماذا ولماذا، ولماذا؟ … أسئلة كثيرة تبقى معلقة إلى أن يرتقي الوعي الجماعي، ونصدق في حبنا لهذا الوطن، ويترسخ لدينا إيمانا بأن في عزة وكرامة المواطن عزتنا وكرامتنا، وبأن الطبيب الفعلي لجميع أمراضنا ليس إلا نحن، وتونس ولادة وتزخر بالكفاءات القادرة على كل هذه التحديات!
النوري قرفال