سالم المنصوري
تابعت بكل اهتمام الحوار الممتع مع المخرجة سلمى بكار واستفدت كثيرا ببعض المعلومات والتحاليل المقدمة..
لكن ما لفت انتباهي واستغربت منه كثيرا… لما أنكرت بكل ثبات وجود وحصول المظاهرة التي قامت بها نساء دستوريا ت في ياجة ايام الاستعمار بمشاركة المرحومة وسيلة بن عمار التي ستصبح زوجة الرئيس بورقيبة في افريل سنة 62..واعتمدت في قولها بشهادة سعيدة ساسي وقالت انها ذكرت لها ان رواية تلك المظاهرة يعتمد على الخيال ..وان الصور مفبركة وكاذبة وتلك المظاهرة لم تقع بالمرّة وهي كلها خرافة لتلميع صورة وسيلة الخ…
استغربت كثيرا واندهشت لهذا الحديث من مخرجة محترفة تمارس في شغلها وتتعامل مع التاريخ وأحداثه وتصدّق هذه الرواية السخيفة ولم تكلف نفسها عناء البحث والتثبّت…
واحتراما للحقيقة التاريخية ولسمعة السيدة سلمى بكار اليت على نفسي التعليق على قولها وتصحيح ما يجب تصحيحه دون تدخل او تعليق على العلاقات التي تربط بين السيدتين وسيلة بورقيبة زوجة الرئيس بورقيبة وسعيدة ساسي ابنة اخته…
اطلب من السيدة المخرجة ان تعود لقراءة بعض الصحف التونسية الصادرة في بداية شهر جانفي 52 عندما اشتد الخلاف بين الوطنيين وقادة الحزب الحر الدستوري بقيادة الزعيم الحبيب بورقيبة ..اذ حصل ايامها الخلاف التاريخي بين الحكومة التفاوضية برئاسة محمد شنيق والوفد المصاحب له الذي شمل وزير العدل والأمين العام للحزب الحر الدستوري صالح بن يوسف ومحمد بدرة وزير الشؤون الاجتماعية والتي جوبهت بالصدّ بما يعرف بمذكرة 15 ديسمبر 51 والتي تقرّر على إثرها طلب التحكيم من طرف منظمة الأمم المتحدة المجتمعة آنذاك بباريس..وقد سافر بسرعة لهاته المهمة الوزيران بن يوسف بودرة.. بينما تزعّم بورقيبة الجبهة الداخلية واشرف على عديد الاجتماعات العامة أهمها كانت في المنستير .وجامع صاحب الطابع بالحلفاوين ومدينة بنزرت يوم 13 جانفي في نفس التوقيت الذي حل فيه المقيم العام الجديد دي هاتكلوك… وستعرف الساحة التونسي اضطرابات عديدة ويتحول الكفاح الى صراع مسلّح ويعم الجهاد الجبال والمدن بعد إيقاف عديد القياديين في مقدمتهم رئيس الحزب والحركة الوطنية..الخ..الخ..وتحدث مظاهرة باجة التي تشكك السيدة سلمى بكار في وقوعها معتمدة على شهادة سعيدة ساسي حسب ما ذكرت…
واحيلها على جريدة الصباح الصادرة يوم الأربعاء 16 جانفي 52… بل أسرد لعنايتها هذا المقطع…تحت عنوان ( إلقاء القبض على جمع من الوطنيات في باجة )
…بدعوة من شعبة باجة النسائية سافر امس الى باجة وفد من الشعبة النسائية الدستورية للعاصمة وعقد اجتماعا بنادي الشعبة الدستورية ألقت اثناءهالسيدة شاذلية بوزقْرو خطابا استعرضت فيه أطوار القضية التونسية ومراحل الأخيرة وبعد انتهاء الاجتماع وقعت مظاهرة شارك فيها عدد كبير من النساء والرجال.الخ…
كما ذكرت الصباح انه تم إيقاف افراد الوفد قصد التحقيق.. وذكرت أسماء من تم توقيفه.. وهنّ..شاذلية بوزقرو . وسيلة بن عمار .ناءيلة بن عمار..فريدة بن علي..جميلة قمرة..خالدة قمرة..فاطمة بن علي..قمر بن مرزوقي..فتحية بنت عبدالرحمن حمدة..جميلة بن نجمة..خديجة بنت ابراهيم الطبال.. وتجمع آلاف المواطنين بما زاد في تعكير الأجواء..
وتم القبض على السادة محمود الكافي رئيس جامعة باحة الدستوريةومصطفى خلفةوخميس بدّة ..وتم نقل الجميع بعد الأبحاث الى مدينة بنزرت واحالتهم على المحكمة الفرنسية بها..وانتظمت مظاهرة كبرى في بنزرت احتجاجية على هذا الايقافات..ووقع محاصرة المتظاهرين واستعمل السلاح الناري وسقط ما يزيد عن 60 جريحا..
وتم توجيه برقيات استنكار الى الباي محمد الأمين والى الوزير الاكبر..والى صالح بن يوسف ومحمد بدرة المتواجدون في باريس..والى المقيم العام الفرنسي والى الأمين العام للأمم المتحدة…
ودافع عن المعتقلين الأساتذة عبد النبي. والطيب المهيري. وعمار الدخلاوي ..وبالاغة ووالي..
وذكرت الصباح في العدد الموالي ان المحكمة أعلنت عن تبرئة جميع المعتقلين في ساعة متأخرة لعدم تقديم حجج ثابتة..الخ…
هذا وقد سبق لنا أن اطلعنا علي تسجيل هاته القضية بالأسماء في دفاتر المحكمة الابتدائية بنزرت خريف سنة 84..
ليشكك من اراد في هاته المظاهرة وغيرها..لكن المطلوب من المثقفين الساهرين على توثيق التاريخ الوطني بجميع أشكال التعبير وفي مقدمتهم المخرجة الموهوبة سلمى بكار التثبت من دقّة المعلومات المقدمة وعدم الوقوع في تغليط الجماهير..
سالم المنصوري