خاطرة: المستقبل السبتيّ في خضرة الشمال. بقلم توفيق قريرةخضرة الشمال البديعة عادت إلى تجلّيها القديم ، نضارة الخضرة شيء يرى قبل أن يلمس.. تستطيع بحدسك الفلاحيّ وأنت ترى الجبل من بعيد أن تعرف أنّ أشجاره منتعشة… للانتعاش صوتٌ يأتيك عبْر أمواج النفس الأثيرة.. يقول لك: حمدا لله على أنّي أحيا وأتنعّم وانتعش.. في الانتعاش شيء قليل من العيش وكثير من الرفاه الذي يجعلك تضخّ في ثنايا روحك أنفاسا لم تكن فيها وتنفث في حاراتها التي تستعدّ للهجيع موسيقى الولادة الجديدة..
صحيح أنّ الظلمة منسدلة ومؤذّن القرية الذي يأتيني صوته من بعيد يخبر بأنّ انبلاج الفجر قريب لكنّي وأنا أمشي قريبا من المزارع الطريّة أشعر بأنّها سعيدة وبأنّها تحكي مع الريح.. وتسأله: متى يا ترى مرقصي؟ تقول الريح: سوف ترقصين قريبا ككلّ من يتموّج عشقا لنايي.. لا يكفي أن يكون لك جسم قليل لترقص.. ستنبت يدك وحين تبتعد أكثر عن جذورك ستتقن الرقص..
النور الخافت لا يعطي الخضرة إشعاعها .. عليك أن تنتظر قليلا حتى ترسل الشمس أمواجها المداعبة.. كلّ شيء في هذا الكون له حركتان : خفيفة ملهمة وعنيفة ثائرة إلاّ الريح فإنّها تحافظ في غالب تلاقيها مع العناصر على كياناتها.. إن رأيت غضنا كسرته الريح فاعلم أنّ كسره قدرٌ وقضاء مبرم صنعته رغبتان في البقاء.. عنفوان غصن لم يعد رقيقا أو هكذا بات يشعر و عنف قوة جبارة لا تريد أن تنكسر..
كوكبة من الأطفال يمشون في جلبة غير آبهين بالريح ولا بالظلمة ذاهبون في حركة رتيبة إلى وجهتهم يتحدثون معا.. أنسُ أصواتهم أنعشني وتخيرت من كلّ واحد منهم كلمة هكذا بالصدفة كي أصنع كنحويّ عجوز جملة مفيدة.. وجدت في كلّ كلمة يقولونها جملا مفيدة.. تحدثك عن هذا المساء حين يعودون وماالذي سيفعلون.. هذا المساء .. مساء سبت يعني الكثير عند الكثير والقليل عند هؤلاء الصبية: كرة حرّة في البطاح.. استوقفتهم.. ونظرتني بينهم وجدتني أسير معهم في السابعة من عمري أو السادسة لا أدري بيد أني كنت أمشي بينهم وأحلم أن أعود وألعب معهم كرة في البطحاء .. بطحاؤهم افتراضيّة وبطحائي أمر واقع بلا افتراض.. ابتسمت لهم وقلت صباح الخير يا أبنائي… أجابوا باندهاش.. صباح الخير ..ومضوا يفكرون: ترى ما خطب هذا الرجل؟ ثمّ نٌسِيتُ في جلبة كلامهم عن المستقبل السبتيّ القريب..
توفيق قريرة