ديونيزوس في الصحراء
افتتاح الدورة الخامسة للمهرجان الدولي للمسرح في الصحراء، فطناسة ، قبلي
لقد عاشت مدينة فطناسة من ولاية قبلي بالجمهورية التونسية، يوم أمس انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للمسرح في الصحراء في دورته الخامسة وقد تهيأت كثبان الرمال، لاستقبال جمهور متنوع الأعمار طيلة فقرات اليوم الأول.
وقد توافد أهالي المنطقة، جحافل وكواكب من الفرح والبهجة، مستقبلين المهرجان ومستبشرين بثقافة القرب. وسط الساحة الكبيرة المخصصة لافتتاح، قدمت فرقة النجوم الخمسة للفنون الشعبية، عرضا فلكلوريا جامعا بين الأصالة والجمالية والمتعة البصرية، وتضمن عرض مداوري، زقاقري، وجحفة تراثية، تلا ذلك عرض فرسان الشعانبي بالقصرين بتاطير المسرحي وليد الخضراوي، إلى جانب عروض تنشيطية شبابية. ازدانت هوامش الاحتفال بمشاهد أخرى تؤثث جوانب الفرح، وتالقت الطفولة استعدادا لذلك، والجمعيات الكشفية ورياض الأطفال وكل المرافق الثقافية والشبابية بالجهة. وجاب كرنفال الصحراء أرض فطناسة وراء موكب الجحفة عند الغروب، وكانت عروس المسرح تتهادى جمالا ترقب غروب الشمس في كبد السماء على صوت الطبول والاهازيج البدوية والاشعار ورقص الجميع مشاركا فرحة ديونيزوس الذي كان متلحفا بين كثبان الرمال يرقب تلاوين اللون واضمحلال تجاعيد الأرض.
على هامش الطرقات، لم يغفل الجميع عن مراسم الفرح المسرحي، الذي كان يطل من نوافذ البيوت والمحلات وازدانت المدينة بحلة الكرنفال فايقظ في روحها عشقا قديما للمسرح، وهل الجمهور بكثافة اكبر، في الليلة الأولى، ليلة المسرح والملاحم الفرجوية، فتم عرض ملحمة “قصر الثرى” إنتاج شركة فن الضفتين، وإخراج حافظ خليفة، بعد مشاهدة ثانية لعرض فرسان
الشعانبي واللوحة الكوريغرافية (Tanse-En-Danse)
ذات المشاركة المتعددة الجنسيات، باخراج البلجيية كولين، وقد تناولت القضية الفلسطينية، من منطلق استحضار وجع التهجير والطفولة المنكوبة، عبر لوحة كوريغرافية واغنية فلسطينية اصلية. استحسن الجمهور هذا التنوع كما تفاعل مع عرض الملحمة التي جمعت بين الجمالية والشعرية والاصالة، بعدد ضخم من الممثلين، وبحضور أسماء مميزة في المشهد المسرحي.
كانت السينغرافيا في الصحراء في مشاهد العروض، وحتى في جوانبه وهوامشه، تروي سردية اسطورية، بطلها الضوء والرمل وعاشقها ومحركها انسان كوني، يؤمن بالحياة وبالفرح، تربى على تأمل السماء وانغرس في التربة مستنشقا عبقها، فمهما ارتحل فقد عاد بطل قصر الثرى، ليبني قصره المرسوم في مخيلته منذ الطفولة لتكون حسناؤه سيدة في الصحراء، لا يثنيها الشوق عن تحقق الحلم.
انتشى ديونيزوس في مسرح الصحراء، وعادت محافل الجماهير الى بيوتها محملة بطاقة مرحة، وانتصرت غريزة الحياة مرة اخرى، واهتدت الخطى منتظرة ليلة اخرى من ليالي المسرح في الصحراء، هي ليلة المسرح والتراث اللامادي.
فوزية ضيف الله . تونس