سميه ما شئت انقلابا دستوريا أو حركة تصحيحية لسنوات عجاف طويلة عاشت فيها تونس واحدة من أسوأ فتراتها على مدى تاريخها الطويل، لكن مع توصيفك لا تنسى أمرا بات واقعا وجب التعامل معه والتفكير في ما بعده، الأمر الواقع أن الرئيس قيس سعيد اتخذ الخطوة الأولى بشكل استباقي وجمع بين السلطة التنفيذية والتشريعية إلى حين قدره هو بثلاثين يوما انقضى منها أكثر من أسبوع .
السؤال المحوري الآن ماهي الخطوة التالية ؟
الجواب حول الخطوة التالية تتداخل فيه عديد العوامل منها الداخلية ومنها الخارجية، فعلى المستوى الداخلي ما يزال الانتظار يسكن البعض حول ردة فعل حزب حركة النهضة بين القبول والتسليم بالأمر الواقع أو دخول في مواجهة قد تكون مآلاتها سيئة لكل الأطراف، ويخطئ من يعتقد أن حركة النهضة الآن جسم متماهي مع بعضه في مستوى الاختيارات المستقبلية فهناك تيارات تشق الحركة أعادتها لأسئلة البداية بعد أن اعتقدت أنها أمسكت بزمام المبادرة واعتبرت نفسها اللاعب الرئيس في الخريطة السياسية التونسية. صراعات داخلية المنتصر فيها هو الذى سيحدد طبيعة الخطوة القادمة، لكن من المؤكد أن الحركة ستخرج من هذا الصراع الداخلي منهكة بشكل يُخشى حينها من ردود الأفعال الفاعلين الموترين فيها .
الأمر الثاني الداخلي المهم هو مدى قدرة القوى الديمقراطية وقوى المجتمع المدني على ديمومة التوجه الديمقراطي التونسي واحترام حقوق الإنسان ورغم التعهدات المتتالية من الرئيس قيس سعيد بأنه سيحترم الخيارات الديمقراطية لكن تبقى فرضية الانحرافات ممكنة خاصة أن “السلطة المطلقة مفسدة مطلقة” كما يقولون وبالتالي على قوى المجتمع المدني والقوى الديمقراطية أن تبقى متيقظة ومراقبة لكل الانحرافات الممكنة والتدخل عند الضرورة لتصحيح مسار التصحيح .
الأمر الثالث يتعلق بمدى قدرة الرئيس قيس سعيد على ديمومة المساندة الجماهيرية التي بدت واضحة ليلة 25 جويلية 2021 ،وهي ديمومة مشروطة بحلول اقتصادية ناجعة تمنح جرعة من الأمل للتونسيين الذين أضناهم الغلاء وقلة ذات اليد والعجز أمام تغول رؤوس أموال باتت تتحكم في معيشه اليومي متحالفة مع صمت الحكومات المتعاقبة منذ2011 . القرارات الاقتصادية على المدى القصير ستكون لها انعكاسات اجتماعية إما الرضا أو العودة إلى مربع الاحتجاج وهو ما يعني آليا العودة إلى مربع الغضب من السلطة القائمة أي كان لونها، خاصة وان التونسيين مقبلون على عودة مدرسية وجامعية تثقل ميزانيات الأسر التونسية المثقلة بطبعها بالغلاء والاحتكار الذى نعيشه منذ سنوات .
أما على المستوى الخارجي وبعيدا على مقولات حراسة معبد الديمقراطية وحقوق الإنسان فالدول الغربية وخاصة ايطاليا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية تعتبر تونس بوابتها نحو غرب ليبيا ( باعتبار أن الشرق يقع في جزء كبير منه تحت سيطرة قوات خليفة حفتر) الثرية بمواردها الطبيعية والمقبلة على مرحلة إعادة بناء ستمكن الشركات الغربية من اقتسام كعكة مالية بمليارات الدولارات، ومن صالح هذه الدول البحث عن الحلول الواقعية والناجعة لضمان الاستقرار في تونس وبالتالي ضمان طريق آمنة نحو الاستثمار في إعادة الإعمار الليبي .
أما على المستوى العربي فتبدو أن سياسة المحاور ستكون محددا في التأثير على مجريات التحولات السياسية في تونس، فمن الواضح أن المحور السعودي المصري الإماراتي أساسا تضاف له الجزائر يريد دعم الرئيس قيس سعيد مع ضمان الحفاظ على الاستقرار الداخلي وهي معادلة صعبة ستكون للقوة المالية لهذا المحور وخاصة الإمارات والسعودية دورا أساسيا فيها، في المقابل هناك محور قطر تركيا الذى يريد ضمان وجود معقول لحزب حركة النهضة في الحياة السياسية بعيدا عن الإقصاء التام لهذا الطرف ويمكن أن ينضاف إلى هذا المحور المغرب الذى يبدو أن حزب العدالة والتنمية ذا التوجه الإسلامي لعب دورا في تعديل موقف المغرب إزاء ما يحصل في تونس .
يبقى كل ما ذكرنا قراءة لجزء من الواقع السياسي في لحظة معينة هي لحظة ما بعد 25 جويلية ومآلاتها المنتظرة على أن ذلك يبقى نسبيا لأن هامش التوقع مع الرئيس قيس سعيد محدود جدا مقارنة بغيره من السياسيين.