يتساءل الكثير من الباحثين في شؤون المجتمعات وفي أسباب وتداعيات التحولات التي تغير مساراتها ، عن الدواعي التي تجعل أغلب الشعوب التي فجرت ثورات أو انتفاضات تحن ، مع مدة قصيرة ، إلى الأنظمة التي ثارت عليها وأسقطتها ؟ وقد أجاب المفكر الديمقراطي الراحل وأول رئيس منتخب لجمهورية تشيكيا بعد سقوط النظام الشيوعي ، فاكلاف هافال ، عن هذا السؤال بواقعية وموضوعية ، دون أن يتهم ” أزلام ” النظام السابق بمحاولة “تفجير ثورة مضادة ” كما يدعي الجماعة في بلادنا ، وقال : السبب هو أن راكبي سروج الثورة عادة ما ” يجنحون إلى الرفع من سقف الوعود إلى أعلى مستوى ممكن ، وعندما يصدمهم الواقع يجدون أنفسهم بلا مصداقية تجاه شعوبهم التي تجد نفسها مخدوعة وقد أصابتها خيبة أمل كبرى ” !!! تذكرت هذا القول الصريح والعديد من فئات شعبنا أصبحت تترحم على النظام السابق بعد أن طغت مظاهر البؤس والألم والحيرة والضياع على حياة الناس ، وبدا جليا وواضحا أن الأزمات عصفت بهم ، وٱنسداد الأفق أحبطهم ، وعجز السياسيين عن إيقاف عجلة الإنحدار دمر آخر معاقل الأمل في قلوبهم . فأينما تمر لا تلاقي إلا الوجوه العابسة والمكفهرة التي نهشتها المتاعب ، وكلما تطرقت إلى مسألة من المسائل المطروحة إلا وكان اليأس عنوان كل حوار وجدال ونقاش!
كيف يفقد شعب الأمل بهذه السرعة وبشكل يكاد يكون جماعيا وعاما ويحن إلى النظام السابق الذي أسقطه بعد اتهامه بالعسف والظلم والفساد؟ السؤال لن يجيب عنه أخصائيو علم النفس والإجتماع الذين طفوا كالفقاقيع بعد الرابع عشر من جانفي 2011 وٱحتلوا أماكن قارة في بلاتوهات الإفلاس الفكري والمعرفي والإثارة الرخيصة لأنهم جزء من كآبة الشعب التونسي ، ولا السياسيون الذين أرغموا هذا الشعب المنكوب على النفور من السياسة ، ولا أيضا ، المسؤولون الذين أغرقوه في الوعود الزائفة وٱحترفوا الضحك على ذقنه ، فالمواطن التونسي العادي هو الوحيد القادر على تقديم إجابة مقنعة عن سبب فقدانه لبهجته وٱبتسامته وسقوطه في ظلمات الكآبة ، وعن حنينه المتنامي للنظام السابق .
عندما تتجول في الأسواق العامة والمساحات التجارية وملاعب الكرة وأنهج وأزقة المدن والقرى وتجلس في المقاهي والحدائق وتستمع لما يردده المواطنون ، تجد الإجابة على كل الأفواه ، تصحبها زفرات وآهات محمومة .
لقد عم الإحباط جميع الناس ، وليس الحرية المنفلتة والصراعات والمزايدات التي تذكي نيرانها وسائل إعلام الإثارة ، ولا المواجهات الفوضوية ،المشحونة بمنسوب كبير من قلة الأدب والحياء ، ولا مهازل وفضائح بعض السياسيين التي أصبحت مادة للتندر والإستهزاء ، هي التي ستعيد للتونسيين الأمل المفقود وتنسيهم في النظام السابق .