كلام كثير وتدخلات عديدة هنا وهناك حول مشاكل المنشآت العمومية ولكنها لا تقنعني ولا تفيدنا في شيء طالما أننا لم نقم بالتشخيص الدقيق قبل الحديث عن الحلول ،وفي هذا المقال سأتحدث عن المشاكل الهيكلية لا المشاكل الظرفية،
والوظيفة العمومية تنقسم إلى قسمين ،الإدارة المركزية والمنشآت العمومية وهما فضاءان مختلفان ثقافة ومقاربة،
والسلك الوحيد الذي يجمع بينهما ومن المفيد إستغلال تجربته هو سلك مراقبي الدولة الذين ينتمون للإدارة من جهة ويتواجدون في المنشآت العمومية ويعيشون مشاكلها من جهة أخرى،
وليس من السهل تناول موضوع المنشآت العمومية في مقال بهذا الفضاء ولكني سأقف على بعض المشاكل
:
-وجود تداخل كبير بين الإدارة المركزية والمنشآت العمومية وبصفة أدق وجود تداخل كبير بين صلاحيات الإشراف وصلاحيات التسيير،وقد تمكنت الإدارة المركزية تاريخيا من السيطرة الكلية على المنشآت العمومية ومسكت بمجلس الإدارة وميزانية الإستغلال وميزانية الإستثمار والإنتدابات والتسميات والتعيينات والصفقات ونتساءل ماذا بقي من صلاحيات للمنشأة،
واللجنة العليا للصفقات لها قرارت في مستوى محكمة التعقيب واقعا ولكنها إستشارية قانونا وهكذا يجد الممثل القانوني للمنشأة نفسه وحيدا أمام قضايا محتملة،
أما المراسلات ومحاضر الجلسات بين الإدارة والمنشآت العمومية فهي إلزامية من حيث الواقع وإستشارية من حيث القانون وقد رأينا الإدارة المركزية تلتزم الصمت أمام قضايا رفعت ضد الممثلين القانونيين وهي طرف فيها وغير مقتنعة بواجهتها ورغم ذلك لا تتدخل ،
وبصفة عامة فإن الإدارة المركزية سيطرت على التسيير والإشراف معا على أرض الواقع،
-تتمسك الإدارة المركزية بأجهزة الرقابة بأنواعها وهذا في صلب صلاحياتها ولكننا نتساءل كيف تجمع الإدارة المركزية بين صلاحيات الرقابة وصلاحيات التسيير وهذا يتضارب مع بعضه البعض،
-الممثل القانوني الذي يجد نفسه أمام ضغط يومي رهيب وضغط المرفق العمومي لا يمكنه التحرك خارج القانون الذي يفرض عليه أن تربض الطائرة أو القطار أو يقع إيقاف المعمل أو محطة الوقود على أن يقع القيام بطلب عروض فإذا كان طلب العروض يتسبب في خسائر تقدر بعشرين مرة كلفة التدخل العاجل فإن التدخل العاجل يجعله تحت منطوق الفصل 96 وهو مهدد بعقوبات قاسية،فإن قام بطلب عروض مكلف وإمتثل لذلك فإنه يجد نفسه تحت منطوق الفصل 96 الذي يعاقب على مخالفة التراتيب التي تتمثل في عدم تجزئة الصفقة السنوية وكان يجب القيام بطلب عروض سنوي لا فردي ؟
بطريقة بسيطة إذا كنت أمام محطة وقود في حاجة لخزان وقود للإنطلاق في الشغل يجب إنتظار طلب العروض السنوي لجميع خزانات الوقود ،وإذا ما سحبنا ذلك على الطيران المدني أو الحديدي أو معامل الفسفاط والأسمدة أو أجهزة الإنتاج بصفة عامة فإننا نجد أنفسنا في وضعية معاكسة للواقع ومعاكسة للمردودية والمنطق،وعموما لا نفهم ما يجري في بلادنا وماذا نريد،
-الموظف العمومي الذي يلتزم بدليل الإجراءات المعروف عالميا وموافق عليه من طرف مجلس الإدارة ويضبط مهام الموظف العمومي بدقة لا يعتد به قانونا لأنه لا يدخل ضمن التراتيب التي يعرفها القانون بما صدر بأمر او قانون وهذا المعطى وحده يكفي لإرتباك الموظف العمومي والشعور بالخوف،
إن الموظف العمومي غير محمي عندما يطبق تعليمات الإدارة وغير محمي إذا إمتثل لدليل الإجراءات وكل هذا كلفته باهضة للمجموعة الوطنية،
-عدم وجود مرجعية لهيكلة المنشآت العمومية وأغلب رؤساء المنشآت العمومية غير قادرين على ثقافة التصرف في الأزمات وكيفية إعداد برامج الهيكلة التي قد تعني للكثير منهم مزيد ضخ الأموال العمومية،
خلاصة القول هناك مشاكل ذات طابع هيكلي تعيق أي تطور للمنشآت العمومية قبل الحديث عن المشاكل الظرفية ووجب وضعها فوق الطاولة وتحديد الصلاحيات والمنهجية وأكثر من ذلك وضع دليل تصرف لتسيير دواليب الدولة في المنشآت العمومية يحمي الأموال العمومية من جهة ويوفر الحماية للموظف العمومي من جهة أخرى ويترك أيضا هامش تحرك كبير للممثل القانوني وهو ما يتطلب إعادة النظر في الأرضية القانونية بكاملها.