في تفاعل مع الأحداث الأخيرة التي تعلقت بما يسمى فرع تونس ”الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ”، أصدرت مجموعة من المواطنين والمثقفين بيانا أدرج تحت لواء “مدرسة الجمهورية” وهذا نصه:
بيان مدرسة الجمهورية
نحن الممضين أسفل هذا نحيط الشعب التونسي بما يلي من المعلومات ونعلن له عن موقفنا من مدبريها :
1 إن ما يسمى فرع تونس ”الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ” هو جناح دعوي وظيفته التعبئة الإيديولوجية التي يقتضيها تقسيم العالم الى فسطاط سلام وفسطاط جهاد و”دار الحرب” و”دار الإسلام ” وتقسيم البشرية الى ”مسلمين ” و’كفار ” بما في ذلك البدان العربية التي تصبح بهذا المنطق ”ديار حرب ” توجب ”فتوحات جديدة” ولا ريب ان ذلك يمثل اعلان حرب على البلاد العربية عامة وتونس خاصة ،باعتبارها البلد الحامل لمشروع التحديث الفكري والتربوي والاجتماعي في العالم العربي والاسلامي منذ ما يقارب القرنين وخاصة منذ نشأة دولة الاستقلال .
2 إنّ ما يزيد في خطورة تحركات هذا الفرع الذي ركز منذ سنة 2012 ،أنه وجد الدعم السياسي الذي مكّن له في مجتمعنا على منهج غير قانوني، حيث أنه لا وزارة التعليم العالي ولا وزارة التربية ولا وزارة الثقاقة على علم ببعثه و لا بأنشطته ولا علم لأحد بالعاملين فيه ولا بهويات المترددين عليه .
• وفي هذا الجو من التسيب واللاقانونية ركّز هذا الفرع على شريحة هامّة وشديدة الهشاشة من المجتمع التونسي، وهي شريحة النساء والشباب المعطّل عن العمل. وليس بخفيّ ما تعنيه هاتان الشريحتان، وما يمكن أن تثمره هذه المقاربة من تيسير الانسلال إلى عمق الطبقات الاجتماعية المفقّرة.
• وتفيد ما توفر لنا من معلومات متواترة ومستقاة من مصادر جديرة بالثقة أن الغاية التي يجري إليها هذا الضرب من التعبئة الايديولوجية سواء في أوروبا وخاصة في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا كما في تونس إنما هي استقطاب العنصر الأضعف في هذه المجتمعات . ومما يزيد في خطورة هذا التيار تكاثر العناصر الهشة في تلك البلدان نظرا للأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية.وننبّه إلى أنّ جائحة الفقر في تونس بلغت اليوم خمس الشعب التونسي. ولا يخفى على أحد أنها نتيجة سياسة ممنهجة من طرف حكومات الإخوان المتعاقبة طيلة العشر سنوات الأخيرة. فكانت أرضية آهلة وخصبة لتطبيق سياستي ”الفوضى الخلاقة” و”التدافع الاجتماعي”؛ سيما وأنّهما شعار القيادة الاخوانية في تونس و مقدمة ضرورية لتكوين القوى التي تقتضيها سياسة الإرهاب.
3 مما لاريب فيه اليوم أن وجود الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على أرض تونس يمثّل خطرا على أمنها وعلى النظام الجمهوري فضلا عن عرقلة طموحاتنا إلى الانتقال الديمقراطي ، زد على ذلك أنّ هذا التنظيم أوجد لنفسه في تونس أجنحة تحميه متمثلة في الجمعيات المتسترة بالعمل الخيري، بينما هي في الحقيقة مجرد جمعيات دعوية مظلمة الفكر، ظالمة السلوك ،وقد تبيّن اليوم أمرها بعد إمضاء 35 منها على عريضة ولاء ومساندة لمكتب “الاخوان” في تونس اثر افتضاح أمره، وتبين للمواطن التونسي أن تلك الجمعيات تتغذّى ماليا وفكريا من مكتب اتحاد العلماء المسلمين، وتطبّق السياسة التي يرسمها قادة الاسلام السياسي سواء في تونس أو في قطر أو تركيا .ومن هذه الجمعيات المشبوهة غاية ووسيلة ” جمعية قطر الخيرية” وجمعية ”تيكا التركية” وجمعية ”مرحمة” ومركز دراسة الإسلام والديمقراطية “الذي بعثته حركة النهضة في أمريكا أوّلا ثمّ استقدمته إلى تونس، زمن حكم الترويكا فكان ذراعها الفكري والدعوي ووفرت له الدعم المادي والسياسي ليقوم بدور الاستقطاب الايديولوجي الذي تحتاجه ..
4 إنّ ما يدعو اليوم الى وقفة حازمة تصير بها الأمور الوطنية إلى حقائقها الوطنية هي ميوعة مواقف الحكومة وتلكؤها في أداء الواجب من ناحية وما يقابل ذلك من أنشطة يقوم بها هذا المركز وأخطبوط الجمعيات المرتبطة به داخل البلاد وخارجها وهي أنشطة مناهضة تماما لتونس أرضا وشعبا ودولة وتاريخا وثقافة وقيما وطموحات .
5 ولا ريب في أن تراخي السلطات الحكومية وتلكؤها في اتخاذ القرار اللازم بشان تلك التنظيمات الدخيلة المعادية للخيارات الوطنية أصبح اليوم ينذر بمزيد إضعاف الدولة الوطنية في اتجاه سعي ظاهر – خفي ،توافقي –عنيف للاجهاز عليها، وقد بدأ مع حكومة الترويكا منذ سنة 2011 . و نحذّر إلى أنّ تواصل غياب الحزم والعزم على إنفاذ قوانين الدولة يهدد اليوم بما لا خير فيه . وقد تبين ذلك جليا في مناسبات عديدة اعْتُدِيَ فيها على مدرسة الجمهورية كما جرى ذلك في محتشد الرقاب او في احدى المدارس الابتدائية بولاية المهدية . ولعلّ آخرها هو اعتداء إحدى كتائب الاسلام السياسي على قوات الامن الوطني بالمطار يوم 15 مارس 2021 ، ومن قبله الاعتداء بميناء حلق الوادي .وجميع تلك الاحداث الغادرة تمثل جرائم ظلّت بلا عقاب ، وهو وجه من وجوه الاعتراف بها سواء بتواطؤ الحاكمين منذ 2011 أو في غفلة من الوطنيين أو سوء تقدير منهم لما يحاك للوطن من مكر وخيم العواقب.
6 وعلى قدر تنديدنا بشدة بهذا الاختراق المنكر للنسيج الفكري والتربوي والثقافي التونسي الأصيل ، وعلى قدر تنبيهنا إلى خطورته على مستقبل مدرسة الجمهورية وعلى أجيالنا الصاعدة وعلى الوطن بكامله أرضا وشعبا ودولة فإننا نهيب بجميع القوى الوطنية مهما كانت مشاربها الفكرية ومواقعها الاجتماعية إلى توحيد الجهود و بالوقوف صفا واحدا أمام زحف ظلمات ما يسمى ”بعلماء المسلمين” على ارضنا .
ونحن على يقين أن المدرسة التونسية تبقى –على نقائصها المؤسفة ومصاعبها المتزايدة منذ 2011 هي من خير ما وجد في العالم العربي والاسلامي في جميع الاختصاصات بما في ذلك الفقه والتفسير واللاهوت وعلوم اللغة .وعلى يقين أنّ ما هو قائم بين الجامعات التونسية ومختلف الجامعات في الدول العربية والإسلامية يغني عن خدمات جمعيات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب والقتال والفوضى.
عاشت تونس حرة مستقلة منيعة أبد الدهر.