يصدر نهاية هذا الأسبوع، وبالتحديد يوم 2 أفريل 2021، يوم انعقاد ندوة “الطاهر شريعة الأديب والسينمائي” بمدينة الثقافة، العدد الثاني من مجلة “صوت المستقبل” الذي احتوى أعمال ندوة “الأدب التونسي والفرنكوفونية” (16-17 ديسمبر 2020 بالمعهد العالي للغات التطبيقية بالمكنين) وهي ندوة مهداة لروح أب السينما التونسية والإفريقية؛ مع العلم أن ندوة المكنين وإحياء ذكرى الفقيد كانتا من اقتراح جمعية “المسائل والمفاهيم المستقبلية” وأن الدعوة لذلك انطلقت منذ مارس 2020 على موقعنا هذا (الذي تجدد بعد أن تمت قرصنته). نقدم هنا افتتاحية القسم العربي للعدد المنتظر “صوت المستقبل 2” الذي جاء
في 136 صفحة مثل العدد الأول
افتتاحية: الصوت المتعدد والمتنوع علامة من علامات الديمقراطية
منصور مهني
هذا صوت يعود إليك، أيها القارئ وأيتها القارئة، بنبرة أخرى من التساؤل على درب تعميق التفكير في المفاهيم بغاية التصور والتصميم المشترك لمستقبل أفضل. هو صوت ندعوكم، قراءنا الأعزاء، لتأخذوه نصا فتجعلوا منه مخاضا فكريا وإبداعيا يثري مشاعر الإنسانية فينا على قاعدة إيتيقا تشرّف انتماءنا إلى فصيلة البشر.
نقول هذا، بهذه الطريقة، لأن شأن الحياة وأمور العلاقات البشرية تبدو لنا في مفترق طرق يواجهنا كسؤال الأمير هملت في مسرحية شكسبير التي تحمل اسمه: “أكون أو لا أكون”. ذاك سؤالنا الآن وهنا أين ما كنا، سؤال الذات يختلج في ضمائرنا وفي وعينا، وسؤال المجتمع نتحادث فيه لنستكشف معا المسافات التي تبعدنا عن بعضنا البعض، حتى قبل أن يأتينا التباعد الاجتماعي من جراء جائحة الكورونا، لربما نتوفق بذلك وبعده إلى مآل فيه مصير أفضل للإنسانية، أو على الأقل لنسبة كبيرة منها.
ولأننا نعتقد أن الداء فينا وبيننا أصله الفقر الثقافي والمعرفي وأن أصل خلافاتنا في ضبابية المفاهيم التي تجمعنا لفظا وتفرقنا معانيها المستنبطة حسب الرغبات، فتحنا هذا الفضاء التعبيري وأسميناه “صوت المستقبل” في حركة أمل تجاه ما ينتظرنا تدعونا للتحادث والتحاور؛ غير أن النتيجة لا تزال بعيدة عن المأمول. فلنقل إن كل مشروع من هذا القبيل يستدعي المثابرة وسنسعى لذلك ما أوتينا من جهد وجلد. فليت حول المشروع يلتف عدد من المثقفين ومن المفكرين من مختلف الاختصاصات وفي علاقة وطيدة بالوعي المواطني الأوسع.
في عددنا هذا كنا دعونا لملف حول “الإسلام والعقل” واتصلنا بمن اعتقدنا أنهم أصحاب الحكمة بيننا، في ذات المجال على الأقل، فأجابنا صمت بعضهم وإخلال بعضهم بما وعدوا أن يقدموا للملف. لا بأس. سنبقى على العهد في إعداد الملف الذي اكتفينا بالتقديم له هنا بمقال في اللسان الفرنسي لفيلسوفنا فتحي التريكي جعلناه فاتحة العدد، بعد الافتتاحية.
والملف الثاني المبرمج، “الأدب التونسي والفرنكوفونية”، كان في صلة بالذكرى الخمسين لتأسيس المنظمة الدولية للفرنكوفونية ولانعقاد قمتها في جزيرة جربة بالجمهورية التونسية، وأردناه في شكل ندوة ننشر أعمالها في هذا العدد. وتمت هذه الندوة يومي 16 و 17 ديسمبر 2020 بفضل المساعدة والاحتضان من المعهد العالي للغات بالمكنين (جامعة المنستير)، مشكور مديرها الدكتور محمد سعد برغل والفريق العامل معه، وهي مؤسسة لم تتأخر يوما على تبني مقترحات الأنشطة الثقافية والعلمية التي تقنعها. واجتمع لأجل الندوة جملة من الجمعيات التي اتحدت في مجمع مدني، تنسيقي وتعاوني، أطلق عليه اسم المجمع “ثقافة-جامعة-بحث-جمعيات” ( Collectif CURA). والجمعيات المشاركة في تنظيم الندوة هي: جمعية “المسائل والمفاهيم المستقبلية”، جمعية الثقافة والفنون المتوسطية، وجمعية العمل الثقافي بالمعهد العالي للغات التطبيقية بالمكنين. وكذلك اتحاد الكتاب التونسيين.
إن الندوة المذكورة لم يكن لها لتتطرق لمفهوم الفرنكوفونية بكل تعقيداته وباختلاف تأويلاته لكننا أردناها مدخلا لطرح السؤال حول المفهوم وحول علاقتنا به واخترنا أن يكون المدخل في صلة مباشرة بالأدب التونسي وهي علاقة يمكن أن تخصّص لها عديد الندوات والمؤلفات. كان الهدف لفت النظر إلى الإشكالية والدعوة إلى التفكير فيها بشيء من المنهجية والموضوعية قصد التعامل معها بما يتبين للعقل وما يتناسب مع سلّم القيم المجتمعية. ولعل ما أكده رئيس اتحاد الكتاب التونسيين، الأستاذ صلاح الدين الحمادي، من انفتاح الاتحاد للأدب الناطق بالفرنسية ولكتابه، من حيث هم أبناء الاتحاد وبناته، يؤكد أهمية السؤال والتفكير الناجم عنه. هذا وأشار أنه عمليا تم ضمن نشاطات الاتحاد إقرار نادي الأدب الناطق بالفرنسية الذي تواصل نشاطه عن بعد زمن الكورونا عبر التقنيات الحديثة للاتصال، كما تمت دعوة المعنيين بالأمر إلى إحياء مشروع الملحق الفرنسي لمجلة المسار، الذي رأى النور في المدة النيابية 2005-2008، وتطويره في شكل مجلة خاصة باللسان الفرنسي.
وانتظمت الندوة تكريما لروح الكاتب والمترجم وأستاذ الأدب الطاهر الشريعة، في الذكرى العاشرة لوفاته، وهو مؤسس أيام قرطاج السينمائية والأب الروحي للسينما الإفريقية الذي اشتغل أيضا في المنظمة الدولية للفرنكوفونية بشكلها الأول والذي شغل خطة مستشار اليونسكو أيضا في قطاع الثقافة. ونتج عن نقاشات أعمال الندوة مبادرة من الناقد والمؤرخ الثقافي محمد المي لتنظيم ندوة خاصة بالطاهر شريعة ضمن نشاطات منتدى فكر التنوير التونسي الذي ينسق نشاطه بوزارة الثقافة. وتمت فعلا برمجة الندوة في 02-04-2021 وصدرت أعمالها في كتاب “الطاهر شريعة الأديب والسينمائي” ضمن سلسلة “أعلام الثقافة التونسية” في عددها 13.
وجاء الملف الخاص في هذا العدد غنيا بمداخلات الندوة التي تطرقت لعديد الكتاب التونسيين ذوي العلاقة باللسان الفرنسي إن إبداعا أو ترجمة، ونترك لقرائنا الأعزاء مهمة اكتشاف هذه النصوص والتفاعل معها.
أما خارج الملف في القسم العربي لهذا العدد، فنقدم قراءة متعمقة لشريط “عزيز روحو” الذي أخرجته المتألقة سنية الشامخي، وهي أيضا جامعية وكاتبة باللسان الفرنسي؛ نال شريطه عديد الجوائز والتكريمات وعاد بقوة زمن الكورونا من خلال المشاهدة الإلكترونية. كما نقدم مقالا للإعلامي والباحث في مجال الاتصال محمد معمري حول الإعلام والانتقال الديمقراطي، وهو مقال يمكن اعتباره امتدادا لملف العدد الأول الذي خصص لمفهوم الديمقراطية وما يمكن أن يطرحه من تساؤلات.
وفي الختام، تأكدوا أن “صوت المستقبل” هو صوتكم إن أردتم، فلا تترددوا…