بقلم قيس الدويري
اثار النص المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي المتعلق بمحاكاة سورة من سور القران ردود افعال متباينة بين عنيفة و نقدية و ساخرة و رافضة لها و اخرى مرحبة بها تحت مسمى حرية التعبير و الرأي و المعتقد وحرية الضمير المنصوص عليها في الدستور.
و استفحل الامر بتدخل النيابة العمومية التي تعهدت بفتح بحث في الموضوع ضد البنت امنة الشرقي صاحبة “الفعلة” و ذلك من اجل الاساءة الى المقدسات الدينية التي تمثل جنحة يعاقب عليها القانون الجزائي التونسي.
فهل ان الفعل الاجرامي قائم في مواجهة المظنون فيها صاحبة التدوينة الفيسبوكية؟
من الناحية القانونية لا يمكن الحديث عن وجود جريمة مهما كانت طبيعتها او خطورتها إلا متى تأكد توفر ثلاثة اركان مجتمعة وهي : الركن الشرعي و الركن المادي و الركن المعنوي بحيث يجب مطابقة هذه الاركان الثلاثة على الافعال المادية التي يأتيها المظنون فيه للتأكد من نسبة الجرم اليه.
المقصود بالركن الشرعي هو ضرورة وجود نص قانوني سابق الوضع يجرم الفعل موضوع التتبع و يخصه بعقاب معين يشتد حسب طبيعة الجرم ووقعه داخل المجتمع وهو مبدأ دستوري ينص على انه لا جريمة بدون نص سابق الوضع (الفصل 28 من الدستور).
اما الركن المادي فيتمثل في قيام الجاني بأفعال مادية و سلوك اجرامي يترتب عنه مباشرة ضرر او مس بالشيء المحمي بالقانون.
و اما الركن الثالث وهو الركن المعنوي او القصدي فيعني بداهة ارتكاب الجاني للفعل المجرم وهو عالم علم اليقين بأنه يرتكب فعلا غير جائز بقصد الاضرار بالغير.
لنحلل الان الافعال المنسوبة الى المظنون فيها بقراءة قانونية صرفة للنظر في مدى وجود اركان جريمة يمكن نسبتها اليها من عدمه.
بالرجوع الى النص موضوع الاتهام “سورة الكورونا” نجده في ظاهره يحاكي النص القراني من حيث صياغته و مظهره الخارجي و يتحدث عن وباء كورونا لكن بطرقة لا يظهر فيها اي شكل من اشكال الاساءة الى الكتاب المقدس او التطاول عليه و بالتالي فان ذلك النص لا يمكن ان يشكل جريمة في نظر القانون التونسي حيث لا وجود لنص يجرم ذلك الفعل.
النيابة العمومية في اطار متابعتها لملف القضية ارتأت توجيه تهمة الاساءة الى المقدسات الى المسماة امنة الشرقي استنادا الى مقتضيات الفصل 161 من المجلة الجزائية وهو التكييف الذي راته النيابة منطبقا على الوقائع المعروضة عليها نظرا لكونها ملزمة بتكييف الوقائع و توجيه الاتهام حسب نص قانوني سابق الوضع.
بالرجوع الى نص الفصل 161 من المجلة الجزائية نجده ينص على ما يلي : “يعاقب بالسجن مدة عام و بخطية قدرها مائة و عشرون دينارا كل من يتلف او يهدم او يفسد او يعيب او يشوه المباني او الهياكل او الرموز او غير ذلك من الاشياء المعدة لممارسة الشعائر الدينية. و المحاولة موجبة للعقاب.”
نلاحظ ان الفصل يتعلق بحماية دور العبادة من مساجد و كنائس و غيرها وهي حماية خاصة بالمعالم المبنية وهو ما تؤكده عبارات الفصل المذكور و نية المشرع من صياغته مثل عبارات “هدم” “اتلاف” ” تشويه مباني او هياكل” و التي غايتها حماية الاماكن المعدة لممارسة الشعائر الدينية.
و بالتالي فانه امام وضوح النص المذكور وانصراف مدلوله الى اماكن العبادة لا غير و رجوعا الى مبدا شرعية الجرائم و العقوبات الذي يمنع معاقبة شخص الا بمقتضى نص سابق الوضع واستنادا كذلك الى مبدأ التأويل الضيق للنص الجزائي الذي يحجر على القاضي التوسع في تأويل النص مما يحول دونه و تطبيق نص يتعلق بهياكل و بناءات مادية على مقالات ادبية بطريقة مسقطة تفتقر الى الذوق القانوني السليم مما يؤكد انتفاء الركن الشرعي على وقائع جريمة الحال.
لنأت الان الى النظر في مدى توفر شرط الركن المادي في وقائع الحال تطبيقا لمقتضيات الفصل 161 سند الاحالة لنؤكد عدم توفره كذلك لتعلق النص بتجريم الاعتداء على دور العبادة و افسادها و ليس بمحاكاة نص ديني خاصة و ان النص لا يحتوي على اية عبارة فيها تشكيك او تطاول او حط من قيمة القران الكريم بل ان محاكاة القران هي غاية و هدف عديد الادباء العرب السابقين و اللاحقين و يكفي هنا ان نذكر باسلوب محمود المسعدى في الكتابة و الصور الشعرية و خاصة في روايته “السد” و لكم الرجوع لها و التاكد من ذلك و من تاثر الكاتب الكبير بالاسلوب القراني المعجز حيث يقول المولى عز و على “فان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله “.
اضافة الى هذا فانه يبدو ان المظنون فيها لم تقم بصفة مباشرة بكتابة “سورة الكورونا” بل هي فقط اكتفت بمشاركتها على جدارها و هذا المعطى في صورة تأكده فانه يزيد الامر تعقيدا من الناحية القانونية و خاصة فيما يخص توفر الركنين المادي و المعنوي للجريمة اذا سلمنا بوجودها ووجود نص يجرم الفعل المنسوب اليها فمشاركة منشور على الفيسبوك لا يعني بالضرورة اننا نوافق ما جاء فيه بل قد تكون المشاركة للتشهير و التنكيل كما يمكن ان تكون عن اقتناع بالموقف و بما جاء في المنشور او الصورة و كل هذه المسائل هي مسائل ذاتية داخلية يصعب اثباتها او اثبات عكسها.
نضيف كذلك ان المشاركة على الجدار تنفي الفعل المادي المتعلق بتشويه القران فليست المظنون فيها هي من قامت بذلك بل شخص اخر و بالتالي لا يمكن مؤاخذة شخص على ما اتاه غيره من الافعال حتى و ان قام بمشاركتها على جداره و حتى في صورة قناعته بذلك من ظاهر نيته فمعلوم ان القانون لا يعاقب على مجرد النوايا.
موضوع للمتابعة.