هل كانت ديمقراطيتنا السابقة في العشريّة الأخيرة بعد الثورة حقيقيّة ؟ هناك معطيات كثيرة تبيّن أنّها كانت فاسدة وأنّنا كنّا تحت حكم دكتاتوريّ خفيّ.
دون إغراق حقوقي بمناقشاته البيزنطيّة ودون اعتماد خطابات سياسية مصلحيّة متناقضة ودون تعميق فلسفي يعقّد المقاربات، ألخّص بنية ديمقراطيّتنا كما يلي : كان لنا في تلك العشريّة رئيس جمهورية منتخب مباشرة من الشعب ويمثّل إرادته أحببنا ذلك أم كرهناه ولكن نزعنا عنه كلّ صلاحيات الحكم ماعدا تسمية رئيس حكومة بشروط وتعقيدات لا أراكم الله مكروها والمشاركة في تسمية وزيري الدفاع والخارجية ثمّ بعد ذلك لن يستطيع التحكم فيهما موضوعيا.
وكان لنا رئيس حكومة لسلطة تنفيذية هامة وواسعة ولكن الشعب لم ينتخبه ولم يعط رأيه فيه إلا بطريقة غير مباشرة من طرف مجلس النواب. وكان لنا مجلس النواب فسيفساء لن تكون فيه أغلبيّة جرّاء قانون الانتخابات وسيجبر على توافقات وموافقات تكون أغلبها مصلحيّة وماليّة وتؤدّي غالبا إلى العنف الكلامي والمادي.
الشعب انتخب أعضاء مجلس النواب ولم ينتخب الموافقات ولم يبد رأيه فيها. مجلس النواب حزّم رئيس الحكومة وقيّده بحبل وثيق وأصبح يتحكم في كلّ قراراته وقاد سياسته العريضة. فبحيث في الأخير قادتنا هذه الديمقراطية الفاسدة إلى دكتاتوريّة خفيّة تخدم أصحاب المال الفاسد وطنيا وتخدم الإمبريالية عالميا وبعض الأحزاب السياسية رأت مصلحة تكتيكيّة وأحيانا استراتيجيّة في هذه الدكتاتوريّة الخفيّة الجديدة التي حذفت نهائيّا الإرادة الشعبيّة.
والديمقراطيّة هي قبل كلّ شيء مشاركة فعّالة في تدبير شؤون الشعب بواسطة ممثّلين ينتخبهم مباشرة بدون التواء كما هي في الآن نفسه تعبير شعبي مباشر أي “الديمقراطيّة النشيطة”.