تميز قطاع الثقافة، سنة 2019 وسنة 2020، بتجاذبات عدة ومن أصناف مختلفة جعلت القوى بين مد وجزر في تهافت الجميع كل لتحقيق ما يصبو إليه من سعي لإنجاز ينفع القطاع أو من تكالب على مصالح شخصية تبدأ بالطموح إلى أعالي سلطة القطاع وتنتهي بأي مردود مادي أو أيضا من رغبة صماء في الإضرار بالغير المحسوب على طرف منافس. هنالك إذن سلم من النوايا يبرز في الدرج الأعلى وينزل شيئا فشيئا إلى الدرك الأسفل، فطوبا للنوايا الصادقة وبئس ما يراد من مضرة للغير وللقطاع ولو بفعل التجاهل الذي يرتقي أحيانا إلى مستوى الإساءة المتعمدة.
لا أريد أن أخوض في موضوع الكتابات التي تعلقت بالأشخاص، رغم ما يترتب ضمنه عن مقولة “ليس هناك دخان بدون نار”. فمعارك الأشخاص على السلطة يعود الحكم عليها عادة لصاحب القرار الأول (وهو، في قضية الحال، رئيس الحكومة، مكلفا أو معينا) أو الوزير في خصوص المواقع الإدارية الأخرى، لكنها معارك كثيرا ما يحكمها منطق الصداقات والولاءات، أو فقط سوء التقييم للكفاءات بسرعة تصديق بعض الآراء والمقترحات التي تتقن فن تسريب الأغراض الشخصية تحت غطاء الصالح العام والبحث عن الكفاءات.
أنا اليوم لا أستطيع أن أبقى صامتا أمام البيان الأخير الذي أصدره اتحاد الناشرين التونسيين حول النتائج الكارثية التي تهدد قطاع الكتاب في الظرف الحالي رغم كل المبادرات المروّج لها بحملات إعلامية مكثفة. لذلك سأصمت وقتيا على عديد الاحترازات الأخرى المتعلقة بمجالات عدة من العمل الثقافي والتي لم تكلف الوزارة نفسها أو مصالحها عناء الإجابة عنها لا بالسلب ولا بالإيجاب، حيث أنني شخصيا، أصالة عن نفسي وتمثيلا للهياكل الجمعية التي تحركت ضمنها أو باسمها، كنت دائما في الاحترام الكامل للمسؤولين وللمؤسسات وأحزنني أن يكون الصمت هو الجواب الوحيد على كل مطالبنا ومقترحاتنا.
لنبقى إذن في مجال الكتاب لنشير بأن “المعرض الوطني للكتاب التونسي” مكسب يكون من المؤسف التخلي عنه فقط لأنه تأسس في فترة وزير هو الآن في صلب سياسة معاداة شخصية له ولإنجازاته من طرف من خلفته على رأس الوزارة. إن وباء الكورونا الذي لن يسمح، منطقيا، بإقامة المعرض الدولي في نوفمبر 2020، لدليل صارخ على ضرورة التشبث بالمعرض الوطني للكتاب التونسي لكل ما يحمل من رمزية ومن خدمات واضحة وناجعة للقطاع في وطننا.
قلت إن هذا الموضوع يعنيني لا فقط لأنني أعتبر نفسي من أهل الكتاب بنسبة كبيرة لا أريد التأكيد عليها هنا، لكن أيضا لأنني كنت المدير العام للدورة التأسيسية للمعرض الوطني في أكتوبر 2018. ويعلم الجميع أنه وقع إبعادي من تلك المسؤولية بفعل فاعل، تفطن الكل بعد ذلك (ومنهم المسؤول عن قرار الإبعاد) إلى سوء نواياه وتدني أغراضه، وأن ذلك جاء في نفس الموجة التي انتهت بإقالة المديرة العامة للسينما والصورة والتي تعاطفت معها بشهادة الكثيرين (لأمور مبدئية)، قبل أن تصبح وزيرة وقبل أن يبدأ تشغيل عملية الإعداد لتوليها الوزارة بالتوازي مع تعيين السيد إلياس فخفاخ رئيسا مكلفا بتشكيل الحكومة.
الخوف كل الخوف على القطاع الثقافي عامة وقطاع الكتاب خاصة من عمليات تصفية الحسابات التي تعمي البصائر إلى حد تختلط فيه العداوات بالصداقات وتتشابك الطرق ويضيع الصالح العام في متاهات شخصية المفروض أن يكون أهل الثقافة أبعد الناس عنها.
أسفي عل قطاع هو من أهم القطاعات في نشأة المجتمعات وتطورها، إن واصلت مثل هذه الاعتبارات الذاتية سيطرتها عليه فالضرر سيكون جسيما على الوطن بأكمله.