أنا تونسي من بين التونسيين المنشغلين بأمر هذه الحكومة المقترحة والمصوّت عليها برلمانيا والمتوقفة في محطة الاستخلاص على الطريق المؤدية لقصر الرئاسة حيث “القسم والنصيب” بعد أداء القسم إن سمح بذلك صاحب القصر. نعم أنا منشغل، كغيري، بأمر وطني وأبنائه الذين تعطلت شؤونهم وحارت عقولهم في جدل قيل أنه دستوري، وكأن الدساتير لم تجعل إلا ليختلف حولها القوم فتتشتت جهودهم ويكبر عنادهم وتتدهور أحوالهم، كل ذلك في غبطة التدستر والتدكتر والتسلط من كل الذين يمتلكون زمام الحكم في البلاد والعباد.
ومن كثر ما فكرت في الأمر، دخل رأسي شيطان ادعى الحكمة وقال لي: “لماذا لا تقترح أنت مخرجا من الأزمة التي عطلت تولي الحكومة مسؤولياتها ومحاولة العمل على إخراج البلاد من ورطتها؟ أليس في هذه الحكومة من الكفاءات من لهم القدرة على الإفادة والعطاء النزيه؟” ثم انصرف الشيطان وتركني وحيدا باحثا عن مقترح في داخلي قد يناله الاستحسان أو قد يدفع غيري لإيجاد حل يرضي أبي العنان.
نعم، لما لا. لكن في هذه الحكومة ثلاث أسماء أو أربعة لم يقبل بهم رئيس الجمهورية لما تعلق بهم من شبهة الفساد أو من تضارب المصالح. في الواقع، كان بالإمكان تفادي ما حصل لو قبل رئيس الحكومة وسنده، مسبقا، نتعويض هذه الأسماء قبل اقتراح الفريق الحكومي. لكن اليوم، الكل مقتنع أن الأمر لم يكن كذلك لأن في العملية نية ليّ الذراع وفرض سلطة على أخرى. وكان إذن من النتظر أن يجابه هذا الفعل بردة فعل كالتي نراها اليوم في الحزم الرافض لدى رئيس الجمهورية. وصار الكل يفتي في الدستور كما يفتي البعض في الدين ولا نرى خطوة إيجابية إلى الأمام.
في النهاية، خلصت لنتيجة واحدة لا أدري إن كانت دستورية أم لا، لكنني أطرحها كالقارورة المرمية في البحر قد يعثر عليها من يفتحها ويبحث في ما قد يجد فيها. نعم تذكرت فاضل عبد الكافي عندما كان وزيرا وشاع أمر تضارب المصالح حوله؛ لقد استقال إلى أن قالت العدالة حكمها في أمره وبرأته. والسؤال هنا هو الآتي: لماذا لا يبادر الوزراء أسباب المشكل من الاعتذار عن تولي المسؤولية إلى أن يتبين للجميع أمرهم فيكسبون مصدقية واحتراما لدى العامة والخاصة؟ وأن فعلوا هذا، فسيتم تعويضهم حتما ويقدمون للوطن بذلك خدمة جليلة أهم وأنفع مما قد يقدموه على رأس الوزارات الموعودة لهم؟
هذا ممكن في رأيي، إلا إن كان نفس الوزراء الأربعة قطعا جامدة على رقعة الشطرنج في لعبة السلطة والتسلط بين أطراف تحركها وتتحكم فيها، دون أي اعتبار للصالح العام ولسلامة الوطن.