ليذهب دستور 2014 غير مأسوف عليه. فما كان دستورا ولكن نسيجا من الحيل لاستدامة حكام من لون واحد حتى لو لم تعطهم الانتخابات إلا عددا مزريا من النواب، وحتى لو اضطروا إلى إفساد أحزاب أخرى وارتهانها واستعبادها. نريد دستورا يليق بتونس، ويستلهم من روحها ومن تاريخها، تاريخ قرطاج، وعهد الأمان، والجمهورية التونسية.
إن إصلاح الوضع السياسي الناجم عن دستور هو سبب أزمته واختناقه لا يمكن أن يكون بالضرورة إلا عملا يخرج عن ذلك الدستور. فمن شأن الدساتير الفاسدة أنها لا تتضمن هامش إصلاحها إلا “عنفا” تأويليا، أي فعلا من أفعال الإرادة السياسية المضطرة إلى قطع شكيمة القانون الدستوري، وإلى الكف عن الائتمار بأمره بوصفه مؤطرها القانوني.
إن رئيس الدولة هو أولا فاعل سياسي. وهو بهذه الصفة ضامن للدستور. أم تراكم نسيتم ؟ أم تراكم قد هيأتم كل شيء حتى يكون رئيس الدولة موظفا عند دستوركم ؟ حتى يكون عبدا لما كنتم وضعتم في دستوركم من الأقفال التي ترهن لا إرادة الرئيس فقط بل صفته السياسية، وطموح الإرادة الشعبية التي يمثلها. لقد حان الوقت لكي يفهم قانونجية الدستور أن مهنتهم لا تخول لهم رهن الشعب ورهن إرادته التي أدلى بها …
لم أكن من أنصار هذا الرئيس. ولكني قبل ذلك لست من أنصار نظام الأقفال التي سورتم بها حياة التونسيين حتى بات يومهم، كل يوم، ساعات عذاب. يرون الفساد ويرون قوانين الفساد وقوانين تبييض الأموال وقوانين بيع البلاد وقوانين حماية اللصوص، يرون كل ذلك يكتب ويعتمد يوميا تحت أنظارهم العاجزة ولا يستطيعون لها حيلة لأن دستوركم يبكتهم عن كل رد فعل. كل هذا ومازلتم تتحدثون عن فقه التأويل ؟ قليلا من الحياء يا فقهاء الدستور .. فربما كانت صناعة الدساتير من شأنكم ولكن صناعة التأويل قد وضعها المفكر صونا للإمكان ضد كل واقع قاتل.
ربما خرج قيس سعيد بعض الخروج عن منطوق نصكم. ولكنه تمثل أن الدستور تعبير عن إرادة الشعب، تلك الإرادة التي لستم أبدا متخصصين في الاستماع إليها .. بل هي تحديدا من شأنه هو و من شأن المفكر ومن شأن السياسي. إن ما ألومكم عليه وما سأظل ألومكم عليه دائما وأبدا هو عجزكم عن النظر إلى نصوصكم من خارج نصوصكم. وتلك هي نعمة التأويل التي لا تعرفونها. هذه النعمة هي من عطايا التاريخ.