الصديقات والأصدقاء الأعزاء في كل مكان، أتمنى أن تكونوا قد عبرتم حالة الحجر بسلام جسدي ونفسي
لقد غبت عن هذا الفضاء أكثر من ثلاثة شهور… اليوم انتهى الحجر المنزلي في الرباط، وأنهيت عزلتي التي كانت مثمرة رغم رعب اللحظة فلقد أثمرت شهور الحجر رواية “كجثة في رواية بوليسية” (هي الآن في دار النشر)، رواية تدور في زمن كورونا. هذه التجربة أكدت لي أن الكتابة حصن منيع ضد الخوف: الخوف من العدوى، الخوف من الغد، وحتى الخوف من الموت
لا أحد من الكتاب سينجو من كورونا، لأن من سينجو من الإصابة بالفيروس، لن ينجو من التأثير النفسي لأجواء لحظة زمنية تتأرجح بين الموت والحياة
الخوف من شيء غامض، فيروس صغير لا يرى بالعين المجردة، عدم اليقين في المستقبل، فقدان الإيمان بالأنظمة الاجتماعية والاقتصادية، بالأنظمة الدولية، وحتى بالعلم… وعالم من ورق ينهد فجأة فوق رؤوسنا… كل هذا سيسيل الكثير من الحبر. ستكون هناك طفرة من الكتابات في موضوع كورونا، كل سيكتب في الجنس الذي يكتب فيه، شعر، رواية، قصة، تشكيل فني، إلخ
لقد دخل الكتاب معركة مواجهة كورونا منذ الأيام الأولى للجائحة. حسب ما قرأت على مواقع التواصل، فإن الكثير من الأدباء في العالم، الذين عاشوا هول الفيروس والحجر الصحي قبلنا، إما بدؤوا كتبهم في الموضوع أو أنهوها. وأنا أتفحص الانترنيت، النافذة الوحيدة المطلة على العالم في الحجر المنزلي، وجدت أن كتابا في الموضوع بعنوان “عدوى” للروائي الإيطالي باولو جيوردانو قد صدر في إيطاليا في الأسبوع الثالث لشهر مارس، ثم عن دار النشر الفرنسية المشهورة “لوسوي” بتاريخ 25 مايو، بعد أن ترجم للغة الفرنسية في وقت قياسي. كما أن الكاتب المغربي الطاهر بن جلون قد نشر في بداية شهر أبريل “رسالة إلى الصديق البعيد” في موقع “فرانس أنتير”، يتحدث فيها عن معاناة صديق له مع وباء كورونا… دار النشر الفرنسية غاليمار نشرت مجموعة للمقالات لكتاب عالمين يتحدثون عن الحجر المنزلي. بل عرفت الساحة الثقافية نقاشا (مقالات) بين الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين والفيلسوف الفرنسي جان لوك نانسي حول التعاطي مع أزمة كورونا كحالة استثناء… الأكيد أن جل هذه المقالات التي نشرت إن لم نقل كلها هي نواة مشاريع كتب وإبداعات ستصدر لاحقا. ستكتظ دور النشر بهذه الكتب لأن حالة الطوارئ الصحية وفرت الوقت للكتابة، والمادة الخام للإبداع، مادة مرعبة لكنها محفزة وغنية
الأكيد أن اللحظة مستمرة والوباء باق بيننا… و مازالت هذه الكتابات عند حدود التساؤل
لكن، غدا سيستيقظ الإنسان من هذه الصدمة، وسيجد أن العالم ” عالمه” قد اختفى إلى الأبد. وعليه أن يبني عالما آخر أكثر إيجابية. عالم يتعايش فيه الإنسان والحيوان في كنف الطبيعة، بأمن وسلام. وسيكون على الكتاب أن يساهموا في هذا البناء. ربما أن الكلمة التي سيطلقها كاتب لن تدمر ذلك الكائن المجهري الصغير، لكنها ستسجل اللحظة وأثر الكارثة، عسى أن لا ينسى العالم أن كوفيد-19 مر من هنا
صديقاتي أصدقائي حفظكم الله